ماذا فعل ماكرون وماذا ستفعل السعودية؟
ناصر قنديل
– جاء توقيت استقالة الوزير جورج قرداحي منسقاً مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الخليج قبيل نهايتها في جدة بلقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وجاء الاتصال الذي أجراه ماكرون وبن سلمان برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليعلن فتح صفحة جديدة وطي صفحة القطيعة، وعلى رغم تكرار الكلام السياسي التقليدي الغربي والخليجي حول بنود يقصد بها عادة الإيحاء لسلاح المقاومة، بات معلوماً أن جوهر التفاهم الفرنسي- السعودي هو التراجع السعودي عن خطوات القطيعة للعودة بالأمور إلى مربع التفاوض والحوار بدلاً من السياق التصاعدي للمواجهة والقطيعة، فماذا حمل ماكرون وماذا ستفعل السعودية؟
– بخلاف ما يعتقده الكثيرون حول وجهة النقاش الفرنسي السعودي تحت عنوان تنسيق الجهود للفوز بالغالبية في الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة، فإن للنقاش وجهة أخرى تؤكدها الوقائع الفرنسية والسعودية، فالرئيس الفرنسي تحت ضغط هواجسه الانتخابية في فرنسا ووضعه الصعب في ظل تفاقم أزمات اقتصادية داخلية وفشل متراكم في السياسة الخارجية، وقادة الخليج يستشعرون خطورة خروج الأمور عن السيطرة في الانتخابات الفرنسية لحساب مفاجآت تقلب الطاولة في لعبة المصالح والاصطفافات، وعودة ماكرون التي تشكل قضية ماكرون الشخصية هي مصلحة خليجية، وترجيح كفة ماكرون يستدعي دعماً بعقود وصفقات لحساب الشركات الفرنسية من جهة، وإنجازاً في السياسة الخارجية لم يعد ثمة مكان لتحقيقه إلا في لبنان، وقد حمل ماكرون هذه الهموم في زياراته الخليجية وعاد بما يلزم لعدته الانتخابية.
– في السعودية حيث الاهتمام بفرنسا منذ أيام رئاسة جاك شيراك يشكل ركناً في السياسة الخارجية للرياض، تجاوب مع المخاوف من فشل ماكرون، وإدراك لمكانة لبنان في وضع ماكرون بعد الفشل الفرنسي في مالي وليبيا، لكن فوق ذلك هناك مراجعة لخطورة التغريد السعودي خارج السرب الذي ترسمه السياسات الأميركية الفرنسية المشتركة المتمثلة بالتراجع عن سياسة التصعيد في لبنان وصولاً لإسقاط السقف على رؤوس اللبنانيين أملاً بإيذاء المقاومة، وسط الخشية من أن تأتي النتيجة عكسية فيسقط لبنان في حضن المقاومة بدلاً من السقوط على رأسها، وهو ما ترجمته القراءة الأميركية لمسار سفن كسر الحصار، والانتقال الأميركي من التصعيد إلى التهدئة كما قالت الاستثناءات الأميركية المفاجئة لمشاريع استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر سورية، وشكلت القطيعة السعودية مع لبنان وإقفال الحدود أمام الصادرات اللبنانية والتهديد بطرد العاملين اللبنانيين في السعودية، إعلان عودة منفردة إلى خطة إسقاط لبنان على رؤوس اللبنانيين، وصولاً لإسقاط الحكومة وما يعنيه ذلك من فتح الباب للفراغ وصولاً للفوضى، وجاءت الحركة الفرنسية ترجمة لسياق أميركي منسق مع فرنسا لإعادة السعودية إلى السقوف الموحدة، القائمة على منع الانهيار خشية التداعيات.
– خلال الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية في لبنان ستعود السعودية للتأقلم مع السقفين الأميركي والفرنسي، لكن الموضوع الرئيسي للنقاش سيكون كيفية إدارة الانتخابات بين خياري، العودة لما كانت عليه الحال في انتخابات 2018، أي رد الاعتبار لقوى 14 آذار وفي طليعتها حضور تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، بالتالي وجود فرصة لتحقيق توازن مع المقاومة وحلفائها، لكن تحت سقف التوازن لا المواجهة، أو خيار تفكيك تيار المستقبل وتغييب رئيسه لحساب تغليب خيار المواجهة، وهذا نتيجته خسارة فرص التوازن الانتخابي ولكن بناء كتلة صلبة في مواجهة المقاومة.