الضرورة أم الإختراع
يبقى الإنسان ذلك المخلوق الذي يسعى بالسليقة الى إحداث التوازن النفسي في داخله ولو لاإرادياً… لأنه ببساطة لا يستطيع مهما أوْغل في التوحش أن ينسجم مع ذلك. يتفتّق العقل عن حلولٍ دائماً لإيجاد حالة من الهدوء في نطاق الذات… فتنطلق أكفأ ماكينة تبريرية في الكون وهي العقل البشري لتصطنع أيّ شيءٍ حتى تُحدث حالة من الرضا داخل الذات الإنسانية مهما استفحلت ممارساته في حالة التوحش والغلو في انتهاك المحرّمات.
لعلّني لا أذهب بعيداً إن ادّعيت انه حتى اختراع السينما كان ردّ فعلٍ شرطي من الناحية النفسية لتعويض وإيجاد معادلٍ لكلّ تلك الإبادة، ولكلّ ذلك النهج اللاأخلاقي على إطلاقه، والذي مورس بحق المواطن الأصلي وبحق الأفارقة في مرحلة الاستيلاء على القارة الأميركية، ثم في مرحلة الاندفاع نحو التمتّع بكلّ تلك المنهبة التي ترتّبت على تمكن الرجل الأبيض من امتلاك قارة برمّتها وبكلّ خيراتها وما واكب ذلك من إبادةٍ واستعباد. كانت كيمياء العقل لهذا الإنسان المخاتل تتفاعل نحو إيجاد شيء ما يظهر هذا الانسان الموغل في جرائمه بنقيض ذلك… وكان لا بدّ أن يكون المُنتَج قادراً على دخول البيوت في كلّ مكان ومحو الغموض وخلق القبول وتزييف ما جرى على أرض الواقع، فالغموض ولّاد للكراهية… كان لا بدّ ان نخترع شيءٌ ما… يقوم بإظهارها على نقيض الواقع… جذّاب قيَمي شجاع محب للسلام… فكانت السينما… وكان كلّ ذلك الكمّ من التزييف وتلميع صورة الوحش.
ولعلّ أفضل مثلٍ لعملية الافتراء والافتئات على الحقيقة إظهار الهندي الأحمر في أفلام الويسترن وهو يسلخ فروة رأس الرجل الأبيض بوحشية وبلا إنسانية… ليتبيّن لنا بعد ذلك أنّ هذا الفعل الإجرامي مارسه الرجل الأبيض ضدّ الهندي الأحمر لخلق حالة من الفزع والخوف ومن ثم إخلاء الأرض…
أمثلة كثيرة لا يتسع حصرها في هذه العجالة، ولكن الحقيقة الدامغة هي انّ السينما استعملت من قبل الرجل الأبيض لتلميع صورته ولإظهار نقيض الواقع الذي لا يختلف عليه كلّ ذي بصيرة… وبأنّ الإنسانية ابتليت بلاءً عظيماً حينما تجلّى هذا الوحش وأخذ بيديه زمام العالم .