ثوب العروس
يقولون لا تبدو كالعروس في ثوب الزفاف كلما هلّ الثلج، وإن كانت كذلك، فهي عروس متروكة في آخر لحظة، أرملة زفاف، عاشقة محطمة…
لك أن تراها امرأة من حكايات شعبيّة وأساطير وخرافات، لك أن ترى الشمس نحاسيّة على وجنتيها، لك أن ترى خطوط الدمع غامقة، كأنّ الليل المنتظر قد تعتّق وشاخ قبل أن يولد. لك أن ترى عينيها حصاتين صغيرتين يسيل منهما تاريخ ممالك الفينيقيين. لك أن ترى على الجبين دروب الأحياء الأثرية حيث لا شيء تعنيه الجهات، كأنّ الضياع هو الغاية إذا ما تلفع بالغبار والصهد.
لك أن ترى النجم الساري لمن عزّ عليه اللقاء. لك أن ترى منديلها الشرقي من حرير وقمحٍ وليلٍ ورائحة الخبز ونجمة موشومة بين العينين، كأنّها ما اتفق عليه العرب وما اختلفوا في تأويله. لك أن ترى الجدائل أربعاً كالمعلّقات المضفورة بشرائط سوداء. لك أن ترى العنق فانوساً في ليل آب وعيون الرجال فراشات ودراويش. لك أن ترى الجسد غائباً خلف ثوبٍ شفافٍ ينسدل فوق ثوبٍ غامقٍ كالأسرار، ثم هناك تغيب الحقيقة ويكون الغياب كشفاً لمن اشتاق لقطع المسافة بين الهجر والوصال.
هي بيروت المرأة. هي الذاكرة التي لم أعشها تماماً، لكنها باقية أبداً في جيناتي الوراثيّة، كأنّها رائحة اللبن المطبوخ، التراب الندي، الأرز المعتق بالضباب، ملمس البساط الصوفي الخشن، تلويحة الأكف بخبز الصاج… الرطوبة التي تشعل الرغبة في انفاقها المفتوحة على آخر ضوء… على الضوء الكاشف لكتفين يتمايلان مع فيروز… هي المرأة التي تجلو القلب بالحزن إذا ما تراكم فوقه صدأ الضحك المزيّف، الضحك الذي يميت القلب. هي المرأة التي تعرف جيّداً أنّ الحزن هو الأصل الذي تنفجر منه عيون المجاز، حين توغل في أعماقها فترى الحياة جذع شجرة يابس على مرأى النهر، والنهر الزمان الذي يجري بمحاذاتها.
هي ليست امرأة واحدة، إنّها جمع النساء عندما يتنادين صباحاً على فنجان قهوة، عندما يرقصن في الأفراح، عندما يندبن في الشوارع، عندما يتنادين للعزاء، عندما يطرقن صدورهن على صور ابنائهن الشهداء… عندما يكنسن آخر ما تبقى من بقايا أحزانهن في إطار لوحة وطنية لفنان…