لبنان تحت الحكم العرفي لثنائي سلامة ـ بيطار
ناصر قنديل
– عندما يكون بمستطاع موظف أن يضع دولة بكاملها على شفا الانهيار أو الانفجار، فهذا لا يكشف إلا هشاشة بنيان الدولة، وضعف مؤسساتها الدستورية، وفشل قادتها في امتلاك آليات معالجة الأزمات ضمن النظام الدستوري، وتغلب العصبيات والمصالح الفئوية على النصوص والمبادئ في صناعة الإصطفافات، وعندما يصبح الموظف مهما علا شأنه حاكماً بأمر البلاد والعباد، تحت شعار أن لا امكانية لاعفائه حتى تنتهي ولايته المحددة بزمن أو مهمة أو يقرر الإستعفاء، فذلك لأن المؤسسات الدستورية منقسمة طائفياً ومصلحياً وتعلو فيها التناقضات الصغيرة على الحسابات الكبيرة، وعندما تصير أولوية هذا الموظف أكان قاضياً أو حاكماً لمصرف مركزي هي حماية هيبته وسطوته على حساب مهمته، وتكبر الخسة في رأسه ليتخيل أن منصة الترشح لرئاسة الجمهورية تبدأ باسترضاء الخارج، واللعب على عصبيات وانقسامات الداخل، تصير الكيدية عند القاضي أعلى من مهمته بكشف الحقيقة، والقاضي يعلم أن توقيف مسوؤل سياسي في سياق التحقيق لن يغير شيئاً في السعي للحقيقة، التي يمكن لكشفها إذا كان مدججاً بالأدلة والبراهين أن ينتهي بتمكين القضاء من توقيف كل المسؤولين، وعندما تصير تصفية نظام الودائع بالتلاعب بأسعار الصرف وصولاً إلى إعلان إفلاس الدولة تمهيداً لبيع ممتلكاتها، أهم من مسؤولية المصرف المركزي الأصلية بحماية استقرار سعر الصرف، والحفاظ على سلامة النظام المصرفي، وقد انهارا معاً ببركة قراراته وسياساته، فكل هذا يعني أن صدفة واحدة تكفي للانهيار أو الانفجار، وكل منهما يودي إلى الآخر من دون الحاجة إلى خطة أو حتى صدفة.
– المشهد الذي يرسمه للبنان الشلل السياسي والدستوري بالتوازي مع التدهور القضائي والمالي، تقول بوضوح إن تسارع المسارين المالي والقضائي الانفجاري سيسبق قدرة المسار السياسي والدستوري لاحتواء المخاطر، فسعر صرف الدولار دخل في السابق الجنوني نحو الارتفاع من دون ضوابط أو كوابح، حيث دولار الاستيراد بات يعتمد بصورة تصاعدية على سوق الصرف، وحاكم المصرف المركزي يؤكد كل يوم أن ضبط الاستقرار النقدي وضمان سلامة النظام المصرفي ليسا من اهتماماته، بل تجنب المساءلة عن الخسائر التي تسببت بها سياساته المالية، واستباق أي حلول تفرضها الجهات الخارجية بإنهاء تصفية الودائع بأسعار صرف متدنية تتيح تخفيض قيمة المطلوبات، ولو أدى ذلك إلى إفلاس اللبنانيين، وصولاً إلى تصفية ممتلكات الدولة وبيع الذهب لحساب المصارف تحت شعار سداد الديون، ولو أدى ذلك إلى إفلاس الدولة، وبالتوازي فإن المسار القضائي للمحقق العدلي لا يبدو معنياً بما يخدم كشف حقيقة السفينة التي جلبت النترات ومن أبقاها في المرفأ، بقدر ما هو معني بتصعيد التوتر السياسي، ولم يكتف بالدماء التي سالت بسببه وبسبب أسلوبه التحقيقي في الطيونة، وهو يعلم أنه يضع مصير التحقيق الذي يفترض أن هدفه الحقيقة، في كفة، والتحدي السياسي، بمعزل عن أهميته للحقيقة في كفة أخرى، فهو أول من يعلم أنه لن يحصل على أي معلومات تفيد التحقيق إذا تم توقيف أي مسؤول تنحصر التهمة الموجهة إليه بالتقصير، وهذا ما يعترف به في مذكرته التي لا تقول إن هذا المسؤول يملك معلومات خطيرة ستنير التحقيق، بل يتحدث عن إصراره على إخضاع الأجهزة الأمنية لسلطته، وإذلال السياسيين أمامه، كما يعرف القاضي أيضاً أن تهمته بالتقصير لكل المراجع السياسية والإدارية، التي يلاحقها، يتهاوى أمام السؤال ماذا كان بمستطاع هؤلاء أن يفعلوا غير مخاطبة قضاء وضع يده على القضية، يجيب على كل المراجعات التي وصلته من هؤلاء الوزراء والمدراء إما بعدم الإختصاص، أو برفض طلبات إخراج النترات أو بيعها أو إعادتها.
– الأغبياء وحدهم يعتقدون أن إقامة المتاريس توحي بشيء غير الحروب، أو أن التصعيد والتوتر القائمين على الساحة الدولية والاقليمية والانسداد السياسي أمام فرص التسويات، على الأقل راهناً، لا يحتاجان ساحة تفجير وصندوق بريد، وأن الخواصر الرخوة كبلدنا تشكل ساحة نموذجية لهذه الوظيفة، وأن الموظفين الكبار الذين يتصرفون كحكام عرفيين يأخذوننا إلى الهاوية، ونحن ننقسم على خطوط التصفيق لهم، والمطالبة بتنحيتهم، نصف هنا ونصف هناك، والحمقى وحدهم يتوقعون أن غياب فرص الحروب الكبرى يحجب امكانية حروب صغيرة أو تفجير ساحات تجارب وتجاذب، فالعكس هو الصحيح، وعندما دخل لبنان الحرب الأهلية اصطف الأغبياء على ضفة والحمقى على ضفة، تحت شعارات كبيرة ولم يرف لهم جفن، فصاروا رموزاً وقادة.