ارتكابات «الحاكم» مستمرة ولا مَن يحاسب…؟!
} أحمد بهجة*
لم يعد هناك أيّ شكّ بأنّ رياض سلامة ينفذ خطة مبرمجة لإطفاء الخسائر في مصرف لبنان وفي القطاع المصرفي، على حساب المودعين بالدرجة الأولى، وبالتالي على حساب الاقتصاد الوطني الذي وصل إلى الحضيض بفعل فاعل بات مكشوفاً ومعروفاً!
وبالأمس أعلن «الحاكم» عن بدء مرحلة جديدة من هذه الخطة الجهنمية، إذ أصدر تعميماً جديداً «طوّر» فيه تعميمه السابق الذي حدّد سعر صرف الدولار في المصارف بـ 3900 ليرة، فأصبح سعر الصرف 8000 ليرة، وهو ما يعني أنّ المودعين الذين يريدون السحب من ودائعهم بالدولار سيحصلون على أقلّ من ثلث قيمتها الفعلية حيث تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء الـ 25 ألف ليرة.
هنا لا بدّ من التذكير بأنّ «الحاكم» ومعه مَن معه من سياسيّين ومصرفيّين ورجال دين وإعلاميّين كانوا قد شنّوا حملة شعواء ضدّ خطة التعافي المالي والاقتصادي التي وضعتها حكومة الرئيس حسان دياب، وحدّدت فيها حجم الخسائر بنحو 83 مليار دولار، وهو رقم وافق عليه يومها وفد صندوق النقد الدولي.
وقد أدّى ذلك الخلاف إلى إفشال المفاوضات مع الصندوق الذي طالب المفاوضين اللبنانيين بالاتفاق على حجم الخسائر في ما بينهم أولاً حتى يصير ممكناً متابعة المفاوضات في النقاط الأخرى.
استقالت حكومة الرئيس دياب بعد انفجار مرفأ بيروت، وتوقفت المفاوضات لأكثر من سنة بانتظار الحكومة الجديدة، والتي لم تتأخر في تشكيل وفدها المفاوض الذي كشف أكثر من طرف فيه أنّ هناك اتفاقاً حصل بين الحكومة ومصرف لبنان على رقم موحد للخسائر المقدّرة بنحو 69 مليار دولار.
وبحسبة بسيطة نجد أنّ هذا الرقم هو أقلّ بنحو 14 مليار دولار عن الرقم الذي ورد في خطة حكومة الرئيس دياب وهو 83 مليار دولار، والاعتقاد الغالب هو أنّ هذا الفارق بين الأمس واليوم أتى جرّاء إطفاء بعض الخسائر لدى المصارف نتيجة قيام العديد من المودعين بسحب ودائعهم أو أجزاء منها على تسعيرة الـ 3900 ليرة.
اليوم يأتي رفع السعر الى 8000 ليرة بهدف إغراء المودعين لسحب المزيد من أموالهم المودَعة بالدولار بأقلّ من ثلث قيمتها الفعلية، ما يؤدّي بطبيعة الحال إلى استمرار سياسة إطفاء الخسائر لدى المصارف، وتحميلها للمودعين في ما يشبه الـ «هيركات» المقنّع الذي لا ينجو منه إلا أصحاب النفوذ والحظوة الذين هرّبوا ولا يزالون يهرّبون أموالهم إلى الخارج…!
والدليل يأتي على لسان «الحاكم» الذي أعلن في مؤتمر صحافي عقده في 11 تشرين الثاني 2019 أنّ «الاحتياطي في مصرف لبنان يقارب الـ 38 مليار دولار، بما فيه اليوروبوندز واستثمارات البنك المركزي، والقدرة النقدية التي نستطيع استعمالها فوراً هي في حدود الـ 30 مليار دولار».
وبالأمس أعلن «الحاكم» نفسه أنّ الباقي من الاحتياطي لدى مصرف لبنان هو 14 مليار دولار، بما يعني أنّ الفارق عن خريف 2019 هو نحو 16 مليار دولار.
السؤال الذي يتبادر فوراً إلى الأذهان هو عن كيفية تبخّر هذه الـ 16 مليار دولار؟ لكن الأمر واضح وليس لغزاً، إذ انّ المعلن هو أنّ سياسة الدعم كلّفت نحو 8 مليارات دولار، والباقي ذهب بين تسديد مطلوبات على المصارف اللبنانية للمصارف العالمية المُراسلة، وبين تمويل بعض الاحتياجات الرسمية للدولة، بالإضافة طبعاً إلى تهريب أموال، في غياب «الكابيتال كونترول».
وهنا يمكن الأخذ بالرقم الذي أعلنته وكالة التصنيف العالمية (موديز) قبل أيام والتي قالت إنّ نحو 9.5 مليارات دولار من الودائع المصرفية خرجت من لبنان على مدار أكثر من سنتين.
وإذا حصل المتوقّع وتأخر الاتفاق مع صندوق النقد إلى ما بعد الانتخابات النيابية وربما الرئاسية أيضاً، فهذا يعني أنّنا سنكون حينها مع رقم خسائر أقلّ بكثير مما هو اليوم لأنّ المودعين سيسحبون المزيد من أموالهم على سعر الصرف الجديد، وبالتالي ستطفئ المصارف المزيد من خسائرها…!
أما عن خسائر المصرف المركزي فإنّ الأمور واضحة، والارتكابات متواصلة ومستمرة، من دون حسيب أو رقيب، وهذه هي المشكلة الأساسية التي لا حلّ لها حتى الآن رغم كلّ الفضائح المتراكمة في الداخل والخارج…!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ