لا حرب في الأفق من أوكرانيا إلى مالاقا والأمر لتحالف الشرق الصاعد…
محمد صادق الحسيني
أميركا المتآكلة بنيوياً من ثقل حروبها السابقة تدقّ طبول الحرب الكاذبة وتستنفر كلّ أمبراطورية كذبها وزيفها الإعلامي الدولي في محاولة لابتزاز دول العالم الصديق لها والعدو!
فيما تواصل إدارة بايدن ومعها دول حلف شمال الأطلسي تحرّشاتها واستفزازاتها الجوية والبحرية، ضدّ كلّ من الصين وروسيا وإيران في أكثر من منطقة.
وتتنامى هذه الاستفزازات في الآونة الأخيرة في شكل خاص على خلفية أزمة أوكرانيا المشتعلة، التي يحاول الغرب مجتمعاً هو الآخر استثمارها لابتزاز ما تبقى، خدم أو أذناب عنده واستفزاز دول العالم الحر.
كلّ ذلك يتمّ في شكل يومي تقريباً في السياسة كما في الميدان في إطار عمليات الحشد الاستراتيجي الطويل المدى، الذي تقوده واشنطن منذ مدة ضدّ الثلاثي الآنف الذكر.
ويحدث هذا التحشيد في شكل خاص في منطقة القطب المتجمّد الشمالي وبحر البلطيق وفي البحر الأسود.
لكن محاولات استعراض القوة الوهمية، والتي تمارسها أساطيل هذه الدول الغربية، البحرية والجوية، في القوس الممتدّ من القطب الشمالي، عبر الدول الاسكندنافية وأوكرانيا وبولندا، وجنوباً إلى البحر الأسود ثم شرقاً باتجاه القوقاز الشمالي (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان…) وعبر مضيق مالاقا ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي والبحار الأخرى، في جنوب شرق آسيا، وصولاً إلى جنوب المحيط الهادئ، وبالتالي إلى حدود روسيا الجنوبية الشرقية وحدود الصين الشمالية الشرقية وكوريا الشمالية، يتنافى على سبيل المثال لا الحصر مع ما كشفت عنه مجلة ميليتاري ووتش Military watch الأميركية، المتخصصة بالشؤون العسكرية، بتاريخ 17/4/2021، والذي يؤكد أن الحقيقة تختلف عن الاستعراضات الوهمية المشار إليها أعلاه.
فقد أوردت هذه المجلة الحقائق التالية:
1 ـ إنّ إحدى القاذفات الاستراتيجية الأميركية الثقيلة والأسرع من الصوت، التابعة للسرب الجوي الأميركي السابع «U.S. Air Force’s 7th Bomb Wing»، وهي من طراز B -1 B Lancer، التي وصلت إلى النرويج في شهر 2/2021، قد تعرّضت لأضرار بالغة، بعد أقلّ من شهر على وصولها، برفقة ثلاثة قاذفات أخرى من نفس الطراز، إلى قاعدة أورلاند الجوية في النرويج Ørland main air station، قد أعيدت على أثرها إلى الولايات المتحدة. وذلك لتعذر إصلاح الأضرار الكبيرة التي تعرّض لها جسم القاذفة ومحركاتها.
2 ـ وتتابع المجلة قائلةً إنّ هذه القاذفات الاستراتيجية الأميركية غير قادرةٍ على العمل في الظروف المناخية القاسية لمنطقة القطب المتجمّد الشمالي، وعلى عكس القاذفات الروسية من طراز سوخوي / SU34 وميغ 31 كي / MIG 31 K التي تنفذ عملياتها الجوية في نفس منطقة العمليات في شكل مستمرّ.
3- وتضيف المجلة أنّ التكلفة المرتفعة لعمليات صيانة القاذفات الاستراتيجية الأميركية وتشغيلها، من هذا الطراز، قد أدّت إلى خروج 90 في المئة، من أسطول هذه القاذفات، عن الخدمه سنة 2019. علماً أنّ هذا النوع من القاذفات الاستراتيجية يشمل أربعة من أصل أحد عشر سرباً من القاذفات الاستراتيجية الأميركية، إلى جانب خمسة أسراب قاذفات B52 H القديمة وسربين من طراز B2 Spirit.
4- وأردفت المجلة قائلةً: إنه وبالنظر إلى المشكلات، التي تعاني منها هذه القاذفات الاستراتيجية، فإنّ من المتوقع أن يبدأ سلاح الجو الأميركي بإخراجها من الخدمة تدريجاً، اعتباراً من عام 2025، على الرغم من أنّ إخراجها من الخدمة كان مبرمجاً لعام 2030، أيّ لحين دخول القاذفات الشبحية الاستراتيجية، من طراز B2 /Raider stealth bombers، إلى الخدمة عام 2030.
5 ـ وفي المقابل، تقول المجلة، إنّ روسيا تقوم بتوسيع أسطولها، من القاذفات الاستراتيجية، الأسرع من الصوت، من طراز توبوليڤ22- /TU 22 وتوبوليڤ 160 أم (محدَّثة). علماً أنّ العدد الأكبر من هذه القاذفات الروسية قد تمّ تصنيعه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي الأمر الذي يعني أنّ القاذفات الاستراتيجية الأميركية، من طراز B- 1B هي أقدم من القاذفات الروسية.
ولما كان ينبغي على المحلل الموضوعي أن يضيف، إلى مشاكل القاذفات الاستراتيجية، العديد من المشكلات المستعصية التي تعاني منها أحدث طائرة أميركية، المقاتلة الشبحية أف 35/ F 35.
فإنّ النتيجة المنطقية لما تقدّم من شروحات يجعل من استراتيجي وزارة الدفاع الأميركية يصبحون على يقين، من أنهم غير قادرين على الدخول في حرب واسعة، ضد روسيا والصين وإيران، في المرحلة الحاليّه.
إذ إنّ لديهم ما يكفي من المعلومات التي تؤكد التفوق الروسي الصيني الساحق، في مجال الصواريخ، سواءً الاستراتيجية او التكتيكية منها (الصواريخ التكتيكية يصل مداها إلى 500 كلم، سواءً حملت رؤوساً حربية نوويةً أو تقليدية)، إضافة إلى التقدم الهائل الذي وصلت إليه إيران في مجال الصواريخ الذي جعلها تعتلي الرتبة الرابعة في العالم في هذا المجال. وعليه فإنّ هذه القعقعة الأميركية الأطلسية بالسلاح أنّ تلك التي على حدود روسيا من جهة أوكرانيا، أو تلك التي تنطلق من بحر الصين الجنوبي أو تلك الموجهة ضدّ الهضبة الإيرانية المحصنة بالصواريخ والمسيّرات المتطورة جداً، لن تخيف الصين الشعبية ولا روسيا ولا إيران.
بكلمات أخرى يمكننا القول إنّ المسار الانحداري، للهيمنة الأميركية الأطلسية على مقدرات العالم، سيستمرّ قطعاً، وسيودّي ذلك إلى إنهاء هذه الحقبة الاستعمارية ودخول العالم في نوع جديد من العلاقات الدولية في القريب العاجل.
من هنا يمكننا فهم وقراءة ما كان يعنيه وزير خارجية أميركا قبل أيام عندما أشار إلى أن كلّ منظومة العلاقات الدولية الحالية، من منظمة أمم متحدة وبنك وصندوق دوليين سيصبح قريباً من الماضي!
أي أنّ شكلاً جديداً من القوانين الدولية ستظهر قريباً، تكون هي الكفيلة بتنظيم علاقة تعاون وتنمية مستدامة بين دول العالم بدلاً عن السياسة الغربية الاستعمارية الحاليّة التي هيمنت على هذا العالم لعقود خمسةً أو يزيد.
علاقات تقوم على صين عملاقة اقتصادياً، وروسيا الفرط صوتية تسلحاً استراتيجياً، وإيران القوة الإقليمية العظمى والهضبة المتوثبة على العتبة النووية…
باختصار شديد، فإنّ معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية باتت قاب قوسين أو أدنى لتصبح من الماضي بالفعل لمصلحة معادلة بديلة ستفرزها موازين القوى الجديدة التي رسمتها ميدانياً، أو في طريقها إلى التبلور على الأرض، حرب قوى الشرق المنتصرة على الإرهاب الدولي ومشغليه الدوليين…
وهي آخر الأحصنة التي كانت قد دفعت بها إلى الميدان قوى الهيمنة الآيلة إلى الانكماش!
بعدنا طيبين قولوا الله…