التفاني السامي
قبل عشر سنوات من الآن، أيّ في يوم السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول عام 2011، توفي رئيس لجنة الدفاع الوطني لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كيم جونغ إيل في القطار السائر على طريق التوجيهات الميدانية لخدمة الشعب.
نحتاج إلى الوطنية بالفعل لا بالكلام، فلا بدّ لنا من إلقاء أنفسنا تلبية لنداء الوطن والشعب ليس مجرد الجواب بالكلام. هذه هي عقيدته التي تمسك بها على مدى حياته.
كانت محبته للشعب مثلاً عليا سياسية له، وأساساً لكلّ تفكيراته وممارساته العملية، وخلاصة حياته.
إنه زار كلّ أرجاء البلاد حيثما يكون الشعب وقام بكلّ الأعمال الصعبة إذا كان ذلك أمراً من أجل الشعب، فلم يمنع توجيهاته الميدانية حتى البرد القارس في الشتاء والحر القائظ في عز الصيف. وإنما كان لا تهمّه رداءة الطقس أو وعورة الطريق أو سوء حالة مواقع العمل المزمع زيارته لها، بل انّ جل اهتمامه وشغله الشاغل لم يكن سوى كيفية إغناء الشعب أكثر فأكثر.
إنه واصل طريق التفاني للشعب حتى آخر لحظة من حياته رغم توعّك صحته بحيث بلغت المسافة التي قطعها طول حياته أكثر من 669844 كيلو متراً، والتي تضاهي بدوران 17 مرة حول محيط الكرة الأرضية وعدد الوحدات التي زارها أكثر من 14290.
بعد أن أحسّ الأطباء بالانزعاج على حالة مرضه الخطيرة من جراء الجهود المضنية التي لا تعرف الكلل، طلبوا منه أن يكفّ عن التوجيهات الميدانية ولو مؤقتاً. إلا أنّ الرئيس كيم جونغ إيل ما برح يقطع طريق التوجيهات وهو يقول لهم: معذرة حقاً. لا أستطيع أن أفعل حسب إرشادكم، فعليكم أن تطيعوا لإرشادي.
على هذه الطريق المتفانية، جاءت قصة تحكي عن أنه عنى بتحديد موقع بناء أحد المصانع الرئيسية مجدّداً حتى لا يشعر الشعب بالمنغصات في حياتهم، وأخرى تقول إنه حرص على بناء البيوت السكنية أولاً قبل بناء المحطة الكهربائية، مشيراً إلى أنّ توفير الحياة المستقرة لأبناء الشعب في المنطقة المغمورة أهمّ من عشرات آلاف كيلوواط ساعي من الكهرباء.
كما أنشئ مجمع دايدونغكانغ الزراعي الحديث للفواكه، بمساحة ألف هكتار ونيف، وبُنيت في أنحاء البلاد مزارع تربّي الأسماك من الأصناف الممتازة مثل الترويت القزحي والسلمون والحفش، وازدادت الثروات لتحسين معيشة الشعب مثل القواعد الحديثة للصناعة الخفيفة وتربية المواشي ومزارع الفواكه.
إضافة إلى ذلك، أنشئت في بيونغ يانغ البيوت السكنية الحديثة في منطقة مانسوداي وغيرها، وتمّت إعادة بناء مرافق الخدمات الغذائية بما فيها مطعم أوكريو ومطعم تشونغريو، المطعمان العامان المشهوران في كوريا، وبنيت حديثاً أو مجدداً كثير من المرافق الثقافية العصرية مثل المسرح ودار السينما ومدينة الملاهي.
يكون ثمة عدد لا يُحصى من القصص عن تفانيه من أجل الشعب.
إنه نزل إلى أعماق النفق السحيق حيث تتقاطر المياه الكلسية على متن عربة يستقلها عمال المنجم حيناً، وحيناً آخر توجه إلى مؤسسة صيد الأسماك التي تملأها برائحة الأسماك، وسلك دروب الحقول الوعرة في المزارع.
ذات مرة، قال إنه من واجبه أن ينجز أعمالاً أكثر من أجل شعبنا الأفضل في الدنيا، ولكن يتأسّف على مرور الوقت سريعاً ثانية وثانية. لذا، قلما يلقى نظرته إلى الساعة. إنّ الوقت أثمن من الذهب. فينبغي لنا أن نؤدّي مزيداً من الأعمال من أجل الشعب بتوفير الوقت ولو دقيقة وثانية.
ومضى رئيس لجنة الدفاع الوطني في سلوك طريق التوجيهات الميدانية من أجل الشعب وهو يستغني عن النوم، مكتفياً بالغفوة العابرة ويسدّ وجباته بالطعام المكور البسيط، وعمل دون أخذ قسط من الراحة حتى في يوم ميلاده، ناهيك عن أيام الآحاد والأعياد. كثيرا ما يعمل حتى منتصف الليل أو يسهر الليالي وهو يعاين الوثائق أو يخطط لعمل من أجل سعادة الشعب.
بعد أن التقى به بوليكوفسكي، مندوب الرئيس المفوض لدى منطقة الشرق الأقصى الاتحادية لروسيا عدة مرات، كتب في مذكرته ما يلي: «تأكدت بأنّ كلّ النشاطات التي يقوم بها رئيس لجنة الدفاع الوطني كيم جونغ إيل تتجه إلى الغاية الواحدة، ألا وهي توفير السلام والازدهار لأبناء الشعب».
إنه بذل عصارة روحه وجسده من أجل تحقيق مثل الشعب العليا حتى في الأيام الأخيرة من حياته عام 2011.
ففي 15 من ديسمبر/ كانون الأول، أي قبل يومين من رحيله، تفقد مركز هانا للمعلومات الموسيقية، القاعدة الجامعة للمعلومات الفنية، والمركز التجاري في منطقة كوانغبوك، المتجدد ملامحه، اللذين يتعلقان بتحسين حياة الشعب، غير آبه بصحته المعتلة.
وفي ليلة يوم 16، اتخذ إجراءات لإمداد سكان مدينة بيونغ يانغ بالأسماك، ثم انطلق إلى طريق التوجيهات الميدانية على متن القطار.
ولكن لم يكن يعرف أحد أن ذلك سيغدو آخر توجيهاته الميدانية. ففي صباح اليوم التالي، الساعة الثامنة والنصف من يوم السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، فارق الرئيس الدنيا في عربة القطار الجاري من جراء تعبه وإعيائه المتراكم روحياً وجسدياً.
هكذا، بذل رئيس لجنة الدفاع الوطني كيم جونغ إيل حياته ككلّ من أجل الشعب وعمل بتفان لأجله حتى اللحظة الأخيرة من حياته.