أولى

قاعدة «حميميم» واعتداءات «إسرائيل» للمشكّكين: روسيا صديق وليست بحليف!

 د. عدنان منصور _

تكثر التعليقات والانتقادات الصادرة من آن الى آخر، عن جهات سياسية، وإعلامية وفكرية وعقائدية، حول مواقف روسيا من قضايا عديدة في المنطقة، لا سيما طريقة التعامل، والتعاطي مع الوضع في سورية منذ اندلاع الأحداث فيها عام 2011 وحتى اليوم، ومدى حدود مشاركة روسيا في العمليات العسكرية مع الجيش العربي السوري، ضدّ الفصائل المسلحة التي تقوم بأعمالها الإرهابية في أكثر من مكان في سورية. كما تتساءل هذه الجهات حول عدم تدخل أو امتناع القوات الروسية الموجودة في قاعدة «حميميم»، عن التصدي مباشرة للغارات الجوية التي تشنها دولة العدوان «الإسرائيلية» على مواقع سورية، واقتصار هذه القوات على المراقبة والتزام الصمت!

 تساؤلات ليست بجديدة حول الدعم الروسي الذي يريده البعض منا مطلقاً دون حدود، حيث تعود هذه التساؤلات أو الانتقادات العربية من باب العتب، الى الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حيث كانت توجه للاتحاد السوفياتي من هنا وهناك، لا سيما أثناء حرب حزيران 1967، وحرب الاستنزاف بين 1967 و1973، وحرب تشرين 1973، بسبب امتناع السوفيات في ذلك الحين، عن تزويد الجيوش العربية بالسلاح النوعي المتطور، والرادع للسلاح «الإسرائيلي»، أسوة بما تفعله الولايات المتحدة مع «إسرائيل»، إذ انّ واشنطن تقوم بتزويدها باستمرار بأحدث الأسلحة المتطورة جداً دون حذر او تردّد، وذلك لتضمن لها التفوّق العسكري «الإسرائيلي» الحاسم والدائم على القدرات العسكرية العربية مجتمعة.

 لقد غاب عن أذهان بعض المتتبّعين للعلاقات العربية السوفياتية، وفي ما بعد للعلاقات العربية الروسية، أنّ الفرق الأكبر بين علاقات واشنطن مع الكيان «الاسرائيلي»، وعلاقات روسيا مع العرب، هو انّ ما يربط الولايات المتحدة بـ «إسرائيل»، علاقات استراتيجية ثابتة ترتقي الى مستوى الحلف وأكثر، وتتجاوز بكثير أطر الصداقة العادية. وما دعم أميركا الاقتصادي، والعسكري، والمالي، والسياسي، والدبلوماسي، والإعلامي المتواصل بلا حدود، وتزويد «إسرائيل» بأحدث الترسانة العسكرية النوعية التي تمتلكها واشنطن، إلا الدليل على مدى الترابط والتحالف المتجذر بينهما، ليتعدّى بكثير دائرة الصداقة، ليصل الى فضاء التحالف والأمن المشترك، وللدفاع عن المصالح الحيوية للطرفين.

 هكذا نجد انّ وضع الولايات المتحدة، وضع منحاز كلياً الى جانب «إسرائيل»، يتجاهل الحقوق العربية، وبالذات حقوق الشعب الفلسطيني، مندفعاً بكلّ قوة لحمايتها والدفاع عنها، وصون مصالحها مهما كانت الحجج واهية، دون الأخذ بالاعتبار تطلعات وحقوق شعوب المنطقة العربية، وأيضاً قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة.

 نوعية العلاقات وميزتها بين واشنطن وتل ابيب، لا تنطبق على العلاقات بين روسيا والدول العربية، وبالتحديد مع سورية رغم الروابط الوثيقة التي تجمع البلدين. وإذا كانت روسيا الصديق المتفهم لقضايا شعوب المنطقة، والداعم لها، إلا أنها ليست الحليف الذي يعطي كلّ شيء، ويقف الى جانبها بالمطلق. فروسيا لا تستطيع الذهاب بعيداً مع سورية، وتقف في وجه الكيان «الإسرائيلي»، دون الأخذ بالاعتبار طبيعة وحساسية العلاقات الروسية «الإسرائيلية».

 موسكو وإنْ وقفت بجانب قضايانا المحقة في المحافل الدولية والأممية، ودعمتنا سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، وحاربت معنا الإرهاب في المنطقة المشرقية، إلا أنها لا تستطيع أن تتعدّى إطار مواجهتها للإرهاب في سورية، كي تنتقل بعد ذلك الى ما هو أبعد، وأعني المواجهة العسكرية مع «إسرائيل» كما يتمنّى البعض منا اندفاعاً أو حماسة، أو أن تقوم بإجراء عسكري رادع، يحبط أيّ عدوان «إسرائيلي» على سورية أو غيرها.

 صحيح انّ لموسكو علاقات قوية مع دول في المنطقة، إلا أنّ لها أيضاً علاقات متينة مع «إسرائيل»، لا يمكن لها المجازفة او التفريط بها. لأنّ ايّ عمل عسكري روسي ضدّ أيّ عدوان «إسرائيلي» على سورية، ستترتب عنه ولا شكّ، مضاعفات وتداعيات خطيرة، قد تجرّ أطرافاً دولية أخرى على الساحة، وتدفع الى مواجهة عسكرية لا يستطيع أحد تحديد مداها، ومخاطرها، ونتائجها.

 روسيا تدعم سورية عسكرياً، تساندها لوجستيا، تؤيدها في المحافل الدولية، إلا أنها ليست على استعداد كما يتصوّر البعض، ويتمناه من باب الحماس، أو الغضب، او العتب، لتتولى عن الغير مواجهة «إسرائيل» مباشرة، وذلك بسبب اعتبارات، وحقائق عديدة لا يمكن لموسكو بأيّ حال من الأحوال تجاهلها وأبرزها:

1 ـ حتى عام 1989، كان تعداد اليهود في الاتحاد السوفياتي وفقاً للبيانات الرسمية الروسية، 1.478.732 نسمة في حين كان عددهم في أوائل عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية 5.400.000 يهودي. وهذا الرقم جاء نتيجة ضمّ غرب أوكرانيا وروسيا البيضاء، وجمهوريات البلطيق، بالإضافة الى تدفق اليهود من بولندا الى الاتحاد السوفياتي.

 أثناء الحرب العالمية الثانية، بلغ عدد الجنود اليهود الذين خدموا في الجيش الأحمر خمسماية ألف جندي، حيث قتل منهم في المعارك مائتي ألف جندي. وحصل عدد كبير منهم على أوسمة، بينهم 150 يهودي من رتب عالية حصلوا على أرفع وسام في الاتحاد السوفياتي، وهو الوسام المعروف بـ «بطل الاتحاد السوفياتي».

في عام 2000، هبط عدد اليهود في روسيا الى 460000 شخص، بعد الهجرة الجماعية الطوعية، التي كانت وجهتها، في غالبيتها الى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

2 ـ انّ 20% من سكان الكيان الصهيوني، يتحدثون اللغة الروسية. ومعظم متحدّثيها، هم من المهاجرين الذين تركوا الاتحاد السوفياتي مع بداية عام 1990. كما انّ اللغة الروسية من اللغات الأجنبية الرئيسة في الكيان «الإسرائيلي». وهناك في الوقت الحاضر 4 صحف يومية، و5 شهرية، وأكثر من 50 صحيفة محلية تصدر بالروسية.

بالإضافة الى أنّ خدمات الراديو اليومية باللغة الروسية متوفرة ومتاحة في أنحاء الكيان.

3 ـ في «إسرائيل» مليون يهودي يتحدّرون من الاتحاد السوفياتي، وهو أمر مهمّ لجهة العلاقات الثنائية بين روسيا و»إسرائيل». من خلالها تعمّقت العلاقات على مختلف الصعد بين الجانبين، وبالذات على الصعيد السياحي، حيث وصل الى ذروته عدد السياح الروس الذين زاروا الكيان «الإسرائيلي» عام 2008 أربعمائة الف روسي.

4 ـ بعد وصوله الى السلطة عام 2000، عمد الرئيس الروسي بوتين، على تحسين العلاقات مع «إسرائيل»، بعد تدهورها في أواخر التسعينات في عهد رئيس الوزراء آنذاك بريماكوف الذي كان مؤيداً للعرب ومتعاطفاً مع قضاياهم. هذا التحسّن في العلاقات دفع برئيس وزراء «إسرائيل» آرييل شارون عام 2003، ليصف بوتين بـ «الصديق الفعلي لإسرائيل».

5 ـ منذ عام 1994 وحتى عام 2010، وقعت روسيا و»إسرائيل»، أكثر من عشر اتفاقيات تعاون، تناولت مجالات الطاقة والغاز، والتكنولوجيا المتطورة، والفضاء والسياحة والزراعة، والعلمي والتقتي والطبي، والصحي، والتعاون الأمني والعسكري. كما قضت الاتفاقية على منح الطرفين نظام الأفضلية القصوى في التجارة، وتفادي الازدواج الضريبي، والتعاون في مجال النقل البحري، وتشكيل المجلس الاقتصادي الروسي ـ «الإسرائيلي».

6 ـ عملاً بمضمون الاتفاقية، نمت الحركة التجارية بين الطرفين ليصل حجم التبادل التجاري الى مليار دولار عام 2005، ليرتفع في ما بعد ليصل الى 3.5 مليار دولار. كما تمّ تنفيذ مشاريع مشتركة في مجال الفضاء والمواصلات، والاتصالات.

وفي عام 1998 و2000، و2003 و 2006، قامت الصواريخ الفضائية الروسية بإطلاق الأقمار الصناعية «الإسرائيلية» «ريسورس 01» و»تيخسات 2»، و»آروس 1»، و»آموس 2» و»آروس B1»، وفي عام 2010 قامت «إسرائيل» بتدريب خمسين ضابط روسي على استخدام الطائرة «الإسرائيلية» المسيّرة المتطورة «ألبيت هرميز 450»، وذلك بعد أن أثبتت فعاليتها في مساندة القوات الجورجية عام 2006، ضدّ القوات الروسية، ما دفع بموسكو الى شراء عدد منها. وبعد ذلك تمّ توقيع اتفاقية بين روسيا و»إسرائيل» تنص على التصنيع المشترك للطائرة المسيّرة، بعد ان أخذت «إسرائيل» ضمانات بعدم وصول المسيّرة الى أيدي أعدائها.

 في غياب اتفاقية دفاع مشترك بين روسيا وسورية، لا يمكن الحديث عن تقصير روسي حيال الاعتداءات العسكرية «الإسرائيلية» على نقاط عسكرية سورية، خاصة أنّ الجيش العربي السوري يقوم بواجبه الكامل، وببسالة في التصدّي لأي عدوان «إسرائيلي». فوجود قاعدة «حميميم» لا يعني بالضرورة الدخول في اشتباكات مع طيران العدو «الإسرائيلي»، عندما يقوم بغارات عدوانية على الأراضي السورية، لأنّ الاشتباك معه، إذا ما حصل، يعني دخول روسيا في حالة حرب مع «إسرائيل»، وهذا الأمر غير وارد،

وليس على أجندة موسكو، إلا في حال تعرّض القاعدة العسكرية الروسية الى اعتداء مباشر من أيّ جهة خارجية كانت. عندها يصبح الردّ الروسي واجباً وضرورة حتمية.

 عام 2010، جمّدت روسيا إثر ضغوط مارسها الغرب و»إسرائيل»، عقدا بقيمة 800 مليون دولار، يقضي ببيع سورية نظام الدفاع الجوي «300 S» لم تسلم موسكو هذا النظام لدمشق إلا بعد عشر سنوات، وبعد ضمانات أعطتها روسيا لـ «إسرائيل»، بعدم استخدام الصواريخ ضد «إسرائيل»، لأنّ استخدامها ستكون له تداعيات على العلاقات الروسية ـ «الإسرائيلية»، وهذا ما تريد موسكو أن تتحاشاه.

 أثناء زيارة رئيس وزراء «إسرائيل» بينيت لروسيا في شهر تشرين الأول الماضي، أشاد بوتين بمستوى العلاقات بين الدولتين، ووصف العلاقات بينهما «بالفريدة»، وتقوم على الثقة المتبادلة.

 إنّ الذين يرمون اللوم على روسيا ويشككون بمواقفها وبدورها، لعدم ردّها على الاعتداءات «الإسرائيلية» ضدّ سورية، عليهم ان يدركوا أنّ مشاركة القوات الروسية مع الجيش العربي السوري في العمليات العسكرية، تقتصر على مواجهة القوى الإرهابية المسلحة في الداخل السوري. وهذا ما تعرفه جيداً موسكو والكيان «الإسرائيلي».

وعلى هؤلاء أيضاً ان يدركوا انّ سورية ليست كـ «إسرائيل»

والولايات المتحدة ليست كروسيا. فطبيعة العلاقات بين الطرف الأميركي ـ «الاسرائيلي، والطرف الروسي السوري، مختلفة في الشكل والأساس. لذلك لا يمكن الطلب من روسيا أكثر مما تتحمّل وتطيق، وبالتالي لماذا نرميها بالتشكيك، واللوم، والعتاب !

لروسيا صداقاتها، ومصالحها، وحساباتها الدقيقة. وهي معنية بالتوازنات في علاقاتها مع الأطراف المختلفة المتعددة في المنطقة، وتحرص على الصداقة والتعاون معها، دون أن تورّط نفسها في مواجهات ساخنة هي بغنى عنها.

 الى الذين يعتبون على روسيا، ويشككون في مواقفها إزاء اعتداءات «إسرائيل»، عليهم ان يعرفوا أنّ روسيا صديق وليست بحليف…!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى