غوتيريش بدأ «زيارة تضامن» مع لبنان بلقاء رئيس الجمهورية عون: لمقاربة جديدة لموضوع النازحين وتشجيع العودة الآمنة إلى ديارهم
بدأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش زيارته إلى لبنان التي بدأها أمس، بلقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، ثمّ عُقد لقاء موسّع حضره الوفد اللبناني والوفد الأممي.
وأعقب اللقاء مؤتمر صحافي مشترك، استهله عون بالترحيب بغوتيريش وقال «بين لبنان والأمم المتحدة شراكة عميقة تعود جذورها إلى إنشاء المنظمة، حيث كان لبنان من الدول الخمسين التي شاركت في تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 في سان فرنسيسكو، ومن الذين ساهموا في وضع شرعة حقوق الانسان في العام 1948. وخلال الأزمات العديدة التي عصفت بلبنان منذ العام 1948 واللجوء الفلسطيني وحتى يومنا هذا مروراً بالحرب اللبنانية، والحروب الإسرائيلية العديدة، وصولاً إلى انعكاسات النزوح السوري الكثيف وانفجار مرفأ بيروت والأزمة الاقتصادية المالية وتداعيات الأزمات الحالية غير المسبوقة؛ فإن منظمة الأمم المتحدة كانت عامل دعم ومؤازرة للاستقرار خصوصاً عبر قوات «يونيفيل» في الجنوب، وشريكاً في التنمية عبر أجهزتها العاملة في لبنان».
أضاف «لقد بحثت مع سعادته في الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان، والسبُل الآيلة إلى الخروج منها، ولا سيما ما يتعلق منها بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تردّت خلال الأشهر الأخيرة. وأكدت لسعادة الأمين العام أننا نعمل على تجاوزها، ولو تدريجاً، من خلال وضع خطة التعافي الاقتصادي لعرضها على صندوق النقد الدولي والتفاوض بشأنها كذلك بالتزامن مع إصلاحات متعدّدة في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، وإعادة النظر بعدد من إدارات الدولة وضبط الإنفاق ووقف الهدر ومكافحة الفساد وبلوغ التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان أهدافه في كشف المسؤولين عمّا لحق بالبلاد من خسائر على مرّ السنين الماضية. والهدف يبقى اعتماد حوكمة مستدامة تُصحّح الخلل الذي اعترى مؤسسات الدولة. وأكدت لسعادته أن لبنان سيشهد في الربيع المقبل انتخابات نيابية ستُوفَّر لها كل الأسباب كي تكون شفّافة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للبنانيين في اختيار ممثليهم. ونرحب بالمناسبة بأي دور يُمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في متابعة هذه الانتخابات بالتنسيق مع السلطات اللبنانية المختصة».
وتابع «كذلك، تطرقنا إلى موضوع النزوح السوري، وأكدت لسعادته ضرورة إيجاد مقاربة جديدة لموضوع النازحين السوريين إلى لبنان، هذه الأزمة المستمرة والمتصاعدة منذ أكثر من 10 سنوات مع ما تشكله على لبنان من أعباء ضخمة خصوصاً في ظلّ الظروف الحالية وضرورة تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته وتشجيع العودة الآمنة للنازحين إلى قراهم».
وأردف «وفي ما يتعلق بالوضع مع إسرائيل، فقد أعدت التأكيد لسعادته التزام لبنان تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته والحفاظ على الاستقرار القائم على الحدود الجنوبية، والتعاون الدائم بين الجيش اللبناني وقوات «يونيفيل»، لافتاً إياه إلى استمرار الانتهاكات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية، ولا سيما استخدام الأجواء اللبنانية منطلقاً لاعتداءات جوية متكررة على سورية. وشدّدت أمام سعادته على تمسك لبنان بممارسة سيادته على كامل أراضيه، وحقوقه الكاملة في استثمار ثرواته الطبيعية ولا سيما منها في حقلي الغاز والنفط، والاستعداد الدائم لمتابعة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية».
بدوره، قال غوتيريش «أنا سعيد للغاية بالعودة إلى لبنان. لقد حظيت بلقاء ناجح مع الرئيس عون، وشكرته على ضيافته وعلى المحادثات المهمّة التي أجريتها اليوم. كما أعربت عن تقدير الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لكرم لبنان في استضافة الكثير من اللاجئين بسبب الصراع في سورية. لقد كنت في السابق مفوضاً أعلى للاجئين لمدة عشر سنوات، ومن خلال تجربتي طوال هذه السنوات، وجدت القليل من الدول والشعوب التي كانت سخية إلى هذه الغاية تجاه اللاجئين، كما كان لبنان تجاه اللاجئين السوريين. ولقد ترك الأمر تداعيات جمّة على الاقتصاد اللبناني كما على المجتمع اللبناني وبسبب النزاع في سورية، فإن الوضع الأمني في لبنان تأثر كذلك».
وأعرب عن إيمانه بـ»أن المجتمع الدولي لم يقم كفاية بدعم لبنان، كما فعل تجاه دول أخرى فتحت حدودها وأبوابها وقلبها للاجئين، فيما للأسف بعض الدول الأكثر قدرة أقفلت حدودها الخاصة. من هنا فإن مثال لبنان هو مثل يستدعي تحمّل مسؤولية من قبل القيمين على الأمن الدولي من أجل دعم لبنان بالكامل، بهدف مواجهة الأعباء التي تواجهه في المرحلة الراهنة».
أضاف «لقد أبلغت الرئيس أنني أتيت ومعي رسالة واحدة بسيطة، وهي أن الأمم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني. وخلال زيارتي، سألتقي شريحة كبيرة من قادة المجتمع السياسي والديني والمدني، بمن فيهم النساء والشباب، بهدف مناقشة كيفية تقديم المساعدة الأفضل للشعب اللبناني ليتغلّب على الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية، والعمل على إحلال السلام والاستقرار والتنمية المستدامة».
وإذ حثّ القادة السياسيين اللبنانيين، على العمل معاً لحلّ هذه الأزمة، دعا «المجتمع الدولي إلى تعزيز دعمه للبنان»، لافتاً، على سبيل المثال إلى أن «برنامج دعمنا الإنساني قد تمّ تمويله فقط بنسبة 11% ونحن بحاجة ماسّة إلى تضامن أقوى من قبل المجتمع الدولي». أضاف «إن الشعب اللبناني يتوقّع أن يُعيد القادة السياسيون ترميم الاقتصاد، وأن يؤمّنوا فاعلية للحكومة ولمؤسسات الدولة وإنهاء الفساد والحفاظ على حقوق الإنسان. وهذا ما قاله فخامة الرئيس، وهو يصبّ في هذا الاتجاه. لا يملك القادة السياسيون في لبنان، عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني، الحقّ في الانقسام وشلّ البلد، ويجب أن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية رمزاً لهذه الوحدة الضرورية».
واعتبر أن «الانتخابات العام المقبل ستكون المفتاح، وعلى الشعب اللبناني أن ينخرط بقوة في عملية اختيار كيفية تقدّم البلد. ويجب أن يكون للنساء والشباب كل الفرص للعب دورهم الكامل، فيما يسعى لبنان إلى تخطّي تحدياته الكثيرة ويضع أسس مستقبل أفضل، وستؤازر الأمم المتحدة لبنان في كل خطوة من هذه المسيرة».
وأعلن أنه «كجزء من الالتزام باستقرار لبنان»، سيزور قوات «يونيفيل» في الجنوب»، معتبراً أن «الالتزام التام بتطبيق القرار الدولي 1701، والمحافظة على وقف الأعمال العدوانية على الخط الأزرق، والعمل على تخفيف التوتّر بين الأطراف، هو أمر اساسي».
كما أكد أن «استمرار الدعم الدولي للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى، هو أساسي لاستقرار لبنان». وحثّ «كل الدول الأعضاء على الاستمرار وزيادة دعمهم للبنان وعلى تحمّل مسؤولياتهم بالكامل».
وختم «لبنان يواجه مرحلة صعبة للغاية، وأنا أحثّ القادة اللبنانيين على أن يستحقوا شعبهم، كما أحثّ المجتمع الدولي على أن يواكب بما يتلاءم مع كرم الشعب اللبناني».
وكان غوتيريش اكتفى بالقول لدى وصوله إلى مطار بيروت الدولي «إنها ليست الزيارة الأولى لي إلى لبنان، لقد زرته سابقاً وأنا اليوم هنا للتضامن معه ومع الشعب اللبناني».