الحرب السعودية الكلامية على سورية عبثية أيضاً
شهد منبر الأمم المتحدة هجوماً كلامياً عنيفاً على لسان المندوب السعودي بحق سورية ورئيسها، وبلغ الكلام التهجمي سقوفاً لا تعبر عن حجم ما يفترض أنه خلاف سعودي- سوري راهن، ولا تنسجم مع أي قراءة واقعية لمسار المشهد السوري، ولا تنسجم مع واقع السعودية المأزوم على كل الجبهات، خصوصاً الجبهة الأخلاقية لنتائج حربه المشينة على اليمن، ولا تنسجم مع الفشل السعودي في حلف الحرب على سورية.
الحديث عن النصر فوق أكوام الجثث هو حلم الحرب السعودية على اليمن، وهو حلم بعيد المنال على رغم تراكم أكوام الجثث، فالنصر يبتعد ويلوح على الضفة اليمنية المقابلة، ويعرف السعوديون أن من يقف قبالتهم في اليمن هو شعب أعزل فقير جائع، ولو أخذنا خطاب السعودية باتهام إيران وحزب الله بالوقوف وراء اليمنيين، فتوصيف السعودية لقوتها وقوة حلفائها يفترض أن تكون قد تكفلت بهزيمتهم جميعاً، بينما يقف الرئيس السوري بشار الأسد يعلن نصره على أكوام من الحلفاء الذين تعرفهم السعودية جيداً وقد كانت من أبرزهم، وتصدرت صفوفهم دول عظمى كأميركا وفرنسا وبريطانيا، وحشدت لها تحالفات غريبة عجيبة ضمت “إسرائيل” وتنظيمي القاعدة وداعش في جبهة واحدة، وتركيا والسعودية وقطر في جبهة واحدة.
دارت في سورية حرب مؤلمة سقط فيها آلاف الضحايا والشهداء، لكن الجميع يعرف أن اتهام الدولة السورية بالمسؤولية عنها ظلم وافتراء، فنتائج الحرب المدمرة هي ثمرة قرار الحرب وأصحاب الحرب، والدولة السورية كانت مستهدفة كما شعبها وجيشها بهذه الحرب، وما قامت به هو أنها دافعت عن وجودها وشعبها ومؤسساتها، والدمار والخراب والقتل، نتاج توظيف التنظيمات الارهابية الوهابية في هذه الحرب، ونتاج الاحتلالين الأميركي والتركي، ويكفي التذكير بأن الرقة التي قرر الأميركيون منع الجيش السوري من دخولها، فدمروها على رؤوس أهلها هي نموذج بسيط عن مصدر الخراب والموت.
في السياسة يعرف السعوديون أن مواصلة الإنكار والمكابرة تجاه فشل الحرب على سورية لن يقدم ولن يؤخر في مسارها، وأن تراجعهم عن خيار الانفتاح ليس تعبيراً عما قالوه ويقولونه في الغرف المغلقة عن الحاجة للتواصل مع سورية وطي صفحة النزاع، كما يعرفون أن حربهم الكلامية هذه عبثية أيضاً، لأنهم لا يملكون بدائل يقدمونه، فهل بديلهم هو مواصلة الحرب أم تقسيم سورية؟
الحرب السعودية الكلامية العبثية على سورية علامة ضعف سعودي، فقد كانت الرياض أنهت مراجعتها للوضع في سورية ووصلت لخلاصات قوامها المسارعة بالإنفتاح على الدولة السورية، حتى جاءت هذه الحرب العبثية ثمرة تدخل أميركي خضعت السعودية لطلباته، وقررت تقديم أوراق اعتمادها للانضباط تحت السقف الأميركي الذي يريد استخدام الورقة العربية لمفاوضة سورية على شروط تتصل بأمن “إسرائيل” في الجبهة الجنوبية، وهذه أيضاً حرب عبثية.