الصين… والمعادلات المركزية الدولية
} فاديا مطر
مع توقف القدرة الأميركية على دمج النزاعات التي تتسم بالحدية في رسم المعادلات الدولية، تتجه العين الأميركية إلى منبثق قديم جديد يكبر التحدي له بشكل متسارع ويحمل في موقعه الربط الكلي لمنظومة التواجد الأميركي على الساحة الدولية كقطب واحد، فالمركزية الصينية في المعادلة الدولية التي ضبطت إيقاعها منذ مبادرة “الحزام والطريق” في العام 2013 قد خطت بالصين إلى عتبة التواجد الدولي عبر ستة منافذ برية وبحرية تربطها بقارات العالم، وهو ما تعتبره الصين موروثاً اقتصادياً وسياسياً من حقبة طريق الحرير منذ العهد الإمبراطوري، حيث يجعل من الصين على عكس الكثير من الدول التي تتبع “التقليدية” في دعم الاقتصاد عن طريق البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوية والاستدانة والاعتماد على العمالة الخارجية والخبرات والمواد الأولية المستوردة لتمكين نمو اقتصادها علامة فارقة في المعادلة الدولية، فهي محطة بالغة الأهمية في التأثير المالي والثقافي والتكنولوجيا العسكرية لكبرى الدول المصنعة حتى والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما جعلها راسماً مهماً لخريطة العالم بخطوط الحديد والموانئ عبر أكثر من 60 دولة وبقيمة تفوق 200 مليار دولار في الاستثمار، وهو بدوره جعلها محط الاهتمام الأميركي خصوصاً بعد خسارة واشنطن لمقعد أفغانستان الكبير…
فواشنطن التي تعتمد في بقائها في شرق سورية وأوكرانيا وحرب اليمن على قطع طريق موسكو وبكين عبر دعم ميليشيات “قسد” الانفصالية وتنظيم “داعش” وتنظيمات القاعدة، بتكلفة منخفضة الأجر، تستثمر بذلك أمرين في ذات الوقت عبر إفشال طريق التجارة الصينية وضرب التواصل الروسي في حزام يمتدّ من أوكرانيا الى تركيا الى الخليج العربي وصولاً الى القرن الأفريقي وبحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان الاستراتيجي، ومن خلالها وجزء منها تعليق إنشاء مشروع سري في ميناء أبو ظبي يستقبل السفن الصينية بشكل مؤقت بعد الضغط على الإمارات، وهي مواجهة تعمل واشنطن على بقائها بتكلفة “حدود المقبول” الذي لا يؤثر في صورة واشنطن الدولية ولا يستنزف واشنطن في التفاهمات على القواعد بشكل يخلّ في صورتها الداخلية أكثر، وهي حاجة ضرورية لمسار الديبلوماسية البراغماتية التي تعتبرها واشنطن سياسة أساسية لقواعد منظمة التجارة العالمية واحتواء التدفق التكنولوجي الصيني الذي يوازي تحديات وجودية بالنسبة لواشنطن، خاصة أن جُلّ هذه التحديات يرتبط بقوة في مفاوضات فيينا النووية…
لكن الخشية المقلقة تبقى لدى الكيان الصهيوني، الذي ربما ينسف لعبة المضائق والطرق البرية والبحرية التي تعمل عليها واشنطن إذا ما انفردت تل أبيب في استهداف منشآت نووية في إيران، وهي التي لن تعترف بأيّ مفاوضات في حال عودة واشنطن للاتفاق النووي وإجبار واشنطن على صدام عسكري قسري مع إيران، فالخوف “الإسرائيلي” لم يتغيّر من جهة التخصيب الإيراني العالي التركيز، بل المقلق أكثر هو البرنامج الصاروخي البالستي وقدرة المسيّرات الإيرانية على دقة الوصول للأهداف والتطور العسكري الإيراني التكتيكي، وإمكانية نقله إلى حدود قريبة من نوافذ تل أبيب، فالسياسة الأميركية عمدت سابقاً إلى وضع نجاحات محدودة من عهد الرئيس أوباما مهّدت فيها الطريق للتوقيع على اتفاق باريس للمناخ والدخول في الاتفاق النووي مع إيران والترويكا الأوروبية، وهو ما جعل هناك من شيء تعتبره واشنطن “حدود نفوذ” ولو على المستوى السياسي والديبلوماسي تجاه كلّ من موسكو وبكين والذي يرتبط حكماً بإيران لجعل المساومة في السياسة التجارية والتكنولوجية مبنية على تفاهمات تمّ الاتفاق عليها للحدّ من تصعيد المواجهة، مع بقاء معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة مع موسكو قيد التفعيل لعلم أوباما بأنّ أيّ خلل في شرق ووسط أوروبا يمكن أن يرتقي بمرحلة تتخطى التقييمات التي يمكن لها أن تستغرق وقتاً طويلاً للمعالجة، وهو ما حاول الرئيس بايدن تنسيقه عبر بالإفراج عن 50 مليون برميل نفط من الاحتياطي الاستراتيجي بهدف تخفيض سعر النفط المرتبط بدوره بواقع الحال بالتغيير المناخي وجائحة كورونا وغيرها من التضخم العالمي، وهو ما هدمه الرئيس ترامب بالجملة في سنوات حكمه لتبقى تركة الحزب الديموقراطي الأميركي هي الاصطدام بجدار الكيان الصهيوني، فهل تبعية السياسة الصهيونية هي طريق نجاح واشنطن من تقدّم الصين في المعادلة الدولية؟ أم متغيّرات موازين التفاوض ستُبقي رحى ترامب تدور في طحن المزيد من التوترات في الآتي من الأيام؟