ماذا تريد الإمارات من الصهاينة؟
د. جمال زهران*
لا شك أن التدافع اللافت للنظر، من جانب دولة الإمارات، تجاه الكيان الصهيوني، بهذه الصورة الفجة، يثير التساؤلات… والواقع يؤكد أن هذا التدافع يغيّر من الخريطة السياسية للاقليم، ويمثل تحدياً للجغرافيا السياسية المستقرة لهذا الكيان الصهيوني. فقد أصبح لهذا الكيان امتدادُ جغرافي جديد، يمثل ظهيراً غير مسبوق، يدعم فكرة هيمنته على الاقليم سواء بالأصالة عن نفسه، أو بالوكالة عن الاستعمار الأميركي! والبداية في تقديري، تحديد أهداف دويلة الإمارات ذات الصفة العربية، من وراء مجمل التصرفات تجاه الكيان الاستعماري الاستيطاني التمييزي الصهيوني، فما هي هذه الأهداف؟ يمكن إجمالها في ما يلي:
1 ـ تحقيق الذات الإماراتية، تعويضاً عن كونها دويلة قزم، أيّ صغيرة، ونسمّيها في العلوم السياسية، «الميني ستات»/ Meni State، أيّ «الدويلة المنمنمة»، بمعنى أنها ليست بالدول الصغيرة أو الصغرى! ومعنى ذلك أن تمارس دوراً يفوق حجمها الصغير مساحة وسكاناً.
2 ـ محاولة استثمار الفوائض البترولية الضخمة، داخل الكيان الصهيوني، وهو الذي حدث، في الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي الإمارات، والكيان الصهيوني، أن الإمارات خصصت «10» مليار دولار في صندوق استثمارات داخل الكيان الصهيوني، لدعم اقتصاد هذا الكيان! بخلاف مشروعات أخرى، منها مد خط أنابيب نقل النفط المسمّى «دبي/ عسقلان»، من دون مراعاة تأثير ذلك على قناة السويس، وتمويل قناة صهيونية من خليج العقبة، حتى البحر المتوسط! من دون مراعاة تأثير ذلك على قناة السويس، والضرر بمصر واقتصادها، على رغم الشراكة السياسية بين مصر والإمارات!
3 ـ ضمان الحصول على الرضى الأميركي، من خلال دعم العلاقات مع الكيان الصهيوني «الولاية 51» للولايات المتحدة الأميركية»، باعتبار أن دولة الكيان هي المتحكمة عبر اللوبي اليهودي داخل أميركا وخارجها، في القرار الأميركي. حيث تسعى الإمارات من خلال السلطة الكاملة التي يمتلكها ولي العهد محمد بن زايد، في ظلّ غياب كامل لرئيس دولة الإمارات، وهو أمر غريب للغاية! إلى ضمان السلطة الحاكمة واستقرارها وتوارثها في عائلة «شخبوط»، من دون أيّ تهديد لنقلها لعائلة أخرى، أو حتى أسرة فرعية! فالأسرة الحاكمة الآن في الإمارات تعتقد أن رضى أميركا من رضى الكيان الصهيوني.
4 ـ السعي نحو عمل مقايضة مع الكيان الصهيوني، بإنشاء تحالف إماراتي/ صهيوني، يضمن ضخ الأموال بمليارات الدولارات إلى الكيان الصهيوني، لضمان تقدّمه ونهوضه الاقتصادي، مقابل قيام هذا الكيان بالدفاع العسكري ضدّ إيران، وعلى الأقلّ اتخاذ الإمارات للكيان الصهيوني، كغطاء رادع لجمهورية إيران الإسلامية! أي أنها تستخدم العدو الصهيوني المغتصب والممثل لأرض فلسطين العربية والإسلامية، والمدنس للقدس الشريف، لكي تردع دولة مسلمة هي إيران والداعمة للقضية الفلسطينية، بلا حدود أو سقف، لتقدم أسوأ النماذج في المقايضات السياسية على حساب المبادئ وعلى حساب الانتماء العروبي والإسلامي، أيّ أنها تستعين بالعدو «الشيطان»، من أجل مصالح ذاتية لا معنى لها.
5 ـ تسعى دويلة الإمارات إلى ممارسة دور قيادي مؤثر، سواء داخل تجمع مجلس التعاون الخليجي، أو على مستوى الاقليم العربي، أن لم يكن على مستوى الاقليم الشرق أوسطي. فولي العهد «محمد بن زايد»، في ظل غياب رئيس الدولة تماماً عن المشهد لأسباب صحية أو سياسية داخل الأسرة الحاكمة، يمتلك طموحاً للقيام بدور قيادي ومؤثر على كافة المستويات، يتقدم بها على السعودية بطموح محمد بن سلمان «ولي العهد أيضاً في ظلّ غياب الملك سلمان»، ويتقدّم بها على مصر، في ظل تراجع للدور المصري القيادي والمؤثر.
وقد عبّر عن ذلك، المستشار السياسي لمحمد بن زايد، د. عبدالخالق عبدالله، وهو أستاذ للعلوم السياسية، ويدرك معنى كلماته وتداعياتها، حيث قال إنه تسود في السنوات العشر الأخيرة، حقبة الخليج بقيادة الإمارات، والحقبة العربية بقيادة وتأثير دولة الإمارات «العظمى»، وهو كلام يرضي حكامه بلا شك، ويشبع رغبتهم في التوظيف السياسي للبترو دولار، ولكنه حديث في الفراغ، لا يعبّر عن طموح لا يخرج عن بناء قصور من الرمال. فمثل هذا الطموح غير واقعي، وإنْ كان… فموقت بلا شك، لكنه يكشف عن المكنون داخل الصدور، والموجود في ذهنية الحاكم، وقد حاولت الإمارات ممارسة هذا الدور، بالتنسيق مع السعودية في اليمن، فأصيبت بانتكاسة وهزيمة، وخلاف بلا حدود مع السعودية. كما حاولت احتلال جزر سوقرطي، ومواني جيبوتي والصومال، وتمّ طردها من أغلبها. كما أن الإمارات في حوارات وزيارات مع تركيا ومع إيران، كمحاولة للتهدئة لتمرير صهيونية الإمارات وتقبلها، وبلا شك هم لا يرتاحون لذلك، وإنما السياسة هي مجموعة من المناورات، والكر والفر، كمحاولة لتحقيق الأهداف.
فهل تابع أحد، والأغلب أننا تابعنا بحسرة، تلك الزيارة التي قام بها بينيت «رئيس وزراء الكيان الصهيوني» للإمارات خلال الأيام الماضية، والاستقبال الرسمي والحافل به في شكل مؤذ لكلّ مشاعر الشعب العربي في كلّ قطر عربي؟ إنها المحاولة الإماراتية للاستقواء بالكيان الصهيوني، عسكرياً وسياسياً، من أجل ضمان مصلحة الأسرة الحاكمة، لا أكثر، على حساب كلّ القضايا الأساسية الثابتة والمستقرة.
من جانب آخر، هل تابعتم ـ ومؤكد ذلك ـ أن الإمارات أعطت «الحق» لعدد «15» ألف صهيوني، في الحصول على الجنسية الإماراتية، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة حاضراً ومستقبلاً؟
الأمر جلل، وخطير، ويستدعي الرصد والتحليل، وسنواصل تحليل تداعيات هذه العلاقة المشينة لدولة الإمارات مع الكيان الصهيوني، في المقال المقبل، من خلال رؤيتنا الملتزمة بالعروبة والقضية الفلسطينية وهي القضية المركزية، وأنّ الصراع العربي الصهيوني، هو صراع وجود، وليس صراع حدود مطلقاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ