«قسد»… ورقة القوة الصفراء!
} فاديا مطر
بعد تبني واشنطن مشروع «قسد» الانفصالي كورقة قوة لها في الحرب على سورية وإشراكها في المعادلة الإقليمية، تقف الأخيرة عند مفترق خيارات ليس أقلها تموضعها في حال تغيّر تلك المعادلة وقدرتها على البقاء ورقة فاعلة سياسياً وعسكرياً، وفيما تعتبر واشنطن أنّ «قسد» أحد أجنحتها العسكرية في سورية وأنها ذات قيمة جيوسياسية تعزز قدرة واشنطن في حزام الضغط على موسكو في الإقليم تضاف للعقوبات المفروضة منذ العام 2014، تبقى «قسد» تتبع منهجاً متقدّماً في ذات المنحى الأميركي برغم كونها رهينة تردّي الوضع الاقتصادي وتنامي الرفض الشعبي وعجزها عن بناء هيكلية مستقرة في مناطق نفوذها تدعم ما تسمّيه «الحكم الذاتي»، مع تواجد مكونات أخرى في مناطقها، حيث يعتمد الأمل الكردي في واشنطن على قدرتها على كبح ما يسمّى المخطط الروسي والخريطة التركية لزجّها في أي مفاوضات مقبلة تظن «قسد» أنها استراتيجية حتى بالنسبة لواشنطن، وهي بذات الوقت التي تنتظر بفارغ الصبر موقف واضح من واشنطن تجاه ما تعتبره تعاوناً روسياً وإيرانياً مع تركيا، لعله يجلب الحظ لتقديم أولويات «قسد» على الصبغة التركية كدولة في الناتو، وهو فعلياً ما تبني عليه «قسد» الأمل كورقة تسدّ مكان التسليح الضعيف من واشنطن، في مقابل الدعم التركي للمجموعات الإرهابية في الشمال السوري الذي يفوق دعم واشنطن لها، وهو ما تعتبره القوة الكردية حلقة ضعف في كيانها برغم أنها تعتقد أنّ قوّتها وتهديدها الحقيقي يقع في رفع روسيا والولايات المتحدة مستوى الضغوط على أنقرة التي هي ايضاً في وضع متردي ليس أقلّ من «قسد»، مع بقاء ذهنية عدم الوثوق بواشنطن قائمة، خصوصاً بعد تجربة أفغانستان، لكنه أقلّ من الرضوخ للمطالب الروسية الرافضة لمشروع «الإدارة الذاتية» على الأرض السورية رداً على رفض «قسد» المطالب الروسية في التفاوض، أو الوقوف أمام القوة التركية التي ترى فيها «قسد» تهديداً وجودياً لها برغم موقف واشنطن المتراخي تجاه تركيا بعد الفتور الأميركي ـ التركي في العلاقات مؤخراً…
فما يسمّى «الإدارة الذاتية « تقع تحت واقع ضغط البحث عن اعتراف دولي وإقليمي يرعاها كحال حركة طالبان، لكون هذا الاعتراف يدور في فلك أيّ مفاوضات مع دمشق في حال تغيّرت جهة الرياح أو ظهور مستجدّ ما في الأفق، وقد ذكرت مصادر صحافية عن وجود حالات تشقق في الأجنحة السياسية والعسكرية لتنظيم «قسد» مؤخراً، برغم تضمينها في دائرة العلاقات الخارجية لأقسام تحلم فيها بتشكيل علاقات دولية، مثل قسم الشرق الأوسط وشرق أفريقيا، وقسم أميركا الجنوبية والشمالية وروسيا والصين، وقسم أوروبا، على أمل بناء علاقات مع هذه الدوائر التي قد تستفيد منها «قسد» إذا ما خرجت يوماً ما القوات الأميركية من سورية أو العراق كما خرجت من أفغانستان، لذا يعمل التنظيم بنفس نهج الاحتلال التركي الرامي لمشروع خفي الأهداف في المسعى إلى المسح الديموغرافي لمناطق السيطرة بهدف صبغ اللون الاجتماعي الذي قد يساعدها في الاعتراف الدولي بها، ولتبرير المسعى الثاني الذي ترى فيه «قسد» حائطاً يسدّ المصالحات التي تقودها الدولة السورية في المنطقة الشرقية، والتي جاءت كخطوة ضاغطة على تنظيم «قسد» الذي بدأ يستشعر فقدان البيئة الداعمة وحتى الحاضنة وعدم القدرة على تغيير أو وقف تلك المصالحات سوى بعمليات الاستهداف للمدنيين عبر إنزالات جوية مع القوات الأميركية في ريف دير الزور كما حصل في 7/ كانون الأول الجاري والتجنيد الإجباري وعمليات الترهيب و»التكريد» التي تطال قرى واقعة تحت السيطرة الكردية، واختطاف عدد من المدنيين واقتيادهم لجهات مجهولة، فهي محاولات يائسة لردّ الاعتراف بها وبالاحتلال الأميركي، لكن تمسك «قسد» بورقة عناصر «داعش» فهي خطوة تهدف الى أمرين:
أولهما إبقاء الذريعة المقبولة لتواجد القوات الأميركية كورقة تضغط بها واشنطن عبر «قسد» على الدول التي دفعت بتلك العناصر الداعشية المنظمة بالمجيء إلى سورية، وما سيترتب عليهم في حال عودتهم من تداعيات اجتماعية وأمنية وسياسية، وهي ورقة تعتبرها واشنطن «مصيدة استراتيجية» تستطيع واشنطن اللعب بها لتحقيق عائدات سياسية تُشرعن بها دعم تواجدها دولياً كقوة تحارب «الإرهاب»، ومن جهة ثانية اعتبارها ضابط أمان لعدم عودة تلك الجماعات المتطرفة إلى مطلقهم كما فعلت بتنظيم القاعدة سابقاً إبان الحرب «القاعدية» على القوات السوفياتية في أفغانستان وتدويرها كورقة ضغط على الدول المناوئة لها.
فتنظيم «قسد» يرى في تحالفه مع واشنطن حاجات سياسية وعسكرية تستدعي الانطواء تحت لواء التشارك مع واشنطن ضدّ الدولة السورية، وهو ما تعتبره الكيانات الكردية مشروعاً يهدّد وجودها وتحالفاتها، فهل تستطيع «قسد» الصمود في بازار السياسة الأميركية كورقة قوة لا بديل عنها؟ أم أنّ بازار واشنطن في المصالح سيجعل من «قسد» ورقة صفراء تنتظر قدوم خريف تغيُر الخارطة الجيوسياسية؟ فواشنطن هي الراعي الذي يبيع أغنامه عند أول قطرة مطر.