نصيحة صادقة إن كنتم تصدقون!
ناصر قنديل
– لا أحد ينكر على التيار الوطني الحر، وعلى رأسه الرئيس ميشال عون خصوصاً، من كل القوى المؤمنة بخيار المقاومة والتي انضوت تحت راية الثامن من آذار، أنه التعبير الأشد ابتعاداً عن التبعية للخارج في ساحة سياسية طائفية راهن الغرب عليها أن تكون حديقة خلفية له في لبنان وعبر لبنان في المنطقة، وأنه نجح بنقل ثقافة الاستقلال إلى شرائح واسعة في بيئته، جعلتها حليفاً محبوباً عند حزب المقاومة الأبرز الذي يمثله حزب الله، وبقوة هذا التقدير كانت الكثير من الأدبيات السياسية التي تصدر عن التيار ورئيسه النائب جبران باسيل، تقع في منطقة التفهم على رغم قساوتها الخلافية في كثير من المرات، وعدم الشعور بمبرر لها في التوقيت والسياسة، سوى دغدغة مشاعر تقليدية عدائية في بيئة يسعى لترسيخ زعامته فيها، كالاصرار على التذكير بأنه الأشد وطنية، لأنه ناهض الوجود والدور السوري في لبنان، تحت شعار توصيفهما بالوصاية والاحتلال، ولم يجد التيار وهو يقول ذلك من يسأله وماذا عن مناهضة الاحتلال الإسرائيلي، ودوركم فيها قبل التحرير ولو بتظاهرة في مرجعيون التي ذهبتم لمزاحمة حلفائكم على مقعد نيابي فيها، بالاستناد إلى شعبية لم يعتب عليكم أحد لغيابها عن مواجهة احتلال يجمع اللبنانيون على توصيفه بالاحتلال وبالعدو، وهو الاحتلال الإسرائيلي، أو مثل محاولة المواءمة بين تجربتي بشير الجميل والعماد عون، على رغم كل ما يحيط بتجربة الأول من عناوين تتصل بمرحلة الاحتلال الإسرائيلي، وكان كافيا موقف التيار خلال عدوان تموز 2006 ليضع بين أيدي المؤمنين بكم حليفاً صادقاً كما كنتم خصماً شريفاً، حجة للدعوة للتفهم، لكن ذلك شيء والتصرف بفوقية التفوق بالوطنية على الغير، وادعاء احتكارها وتوزيع شهادات القبول والرفض فيها شيء آخر.
– الأكيد أن التيار يحاسب خارجياً وداخلياً على مواقفه المتقدمة بوجه المشروع الأميركي والأطماع الإسرائيلية، ويجري الإعداد لتصفية حساب معه في الانتخابات المقبلة بهذه الخلفية، والأكيد أن نجاح أو فشل الذين يتربصون بالتيار على الكوع الانتخابي المقبل، ليس شأناً يخص التيار وحده، والأكيد أنه من غير الانصاف أن تلقى مهمة إفشال هذه الخطة على عاتق التيار وحده، بينما تجند للمهمة مقدرات دولة عظمى بحجم أميركا، ودولة اقليمية عظمى بحجم السعودية، وما يملكان من مفاتيح وعلاقات وأموال وسطوة في الإعلام، وحيث يتحول حزب القوات اللبنانية المنافس التقليدي للتيار في ساحته المباشرة، مزيناً ببعض جمعيات مدنية، إلى محور للاستثمار المشترك لخصوم المقاومة وحضورها ومشروعها، لكن الأكيد أيضاً أن خطة التيار للفوز في هذه المعركة بعناوين التنافس مع خصومه على المرجعية الأكثر اخلاصاً للفكرة الطائفية ورموزها وشعاراتها، يضع هذه المعركة في زاوية صعبة، حيث تتسبب هذه الخطة بتفجير نزاعات طائفية تصعب السيطرة عليها، وتنتج مناخا تنمو فيه العصبيات الطائفية وتنفلت معه الغرائز، من بين صفوف التيار، وفي الصفوف المقابلة، وشيئاً فشيئا يضع التيار نفسه في زاوية حادة يصعب الفوز فيها بامكاناته، ويصعب على الراغبين بمساندته تقديم العون له.
– منذ مدة بنى التيار خطابه على المواجهة مع حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فبنى منظومة من العناوين لهذه المواجهة صارت مسلّمات عند جمهوره، ودفعته إلى مرحلة ثانية، هي التشكيك بصدقية التحالف مع حزب الله لأنه متمسك بتحالفه مع حركة أمل والرئيس نبيه بري، ثم دفعه الأمران إلى مرحلة ثالثة مضمونها اتهام حزب الله بالشراكة في محاصرته، ومن دون الحاجة إلى مناقشة سردية التيار للخصومة مع أمل، يكفي طرح السؤال حول أمرين، الأول هل يمكن للتيار أن يطالب جمهور بيئته في أي انتخابات بأكثر مما أعطاه في الانتخابات السابقة، والثاني هل يمكن أن يطالب التيار حزب الله بأكثر من تحمل مسؤولية تعطيل الإستحقاق الدستوري ومخاصمة حليفه الأول المتمثل بالرئيس بري في عقر داره كرئيس لمجلس النواب لصالح المجيء بالعماد عون رئيساً، وبغض النظر عن خطاب محدودية الصلاحيات الرئاسية أو العجز عن تأمين الأغلبية اللازمة في الحكومة ومجلس النواب، يبقى السؤال الثالث، هل كان لدى التيار وهل لديه الآن جواب على خطة التحالفات، التي من دونها لن تكون السياسة إلا صفر نجاحات، فما هي خريطة الطريق التي يمكن أن يقدمها رداً على أي سؤال، ماذا لومنحناكم تصويتنا، ومنعتم خطة كسركم واستعدتم ذات الوزن النيابي، وفزتم بالرئاسة مجدداً، وهذا سقف صعب المنال، فماذا ستفعلون غير ما فعلتم، ما دامت الصلاحيات هي الصلاحيات، وقواعد تشكل الأغلبية هي هي في الحكومة ومجلس النواب، وبصراحة قد تكون جارحة، أنتم تعلمون أن مفتاح الجواب في خارطة التحالفات تبدأ من التمسك بقوة بالحلف مع حزب الله، وتنتهي بالسعي إلى نقاش صريح ومكاشفة بعيدة عن المزايدات الكلامية لصناعة حلف ثابت مبني على المصالح والرؤى مع حركة أمل، ومن تمكن من تبرير تحالفه مع الرئيس سعد الحريري حتى خرج هو من التحالف، لا يملك أسباب للقول إنه لا يجد سبباً مبدئياً للتحالف مع أمل، وهو يعلم أن البديل هو مزيد من الفشل، وأنهمن دون التحالفات لا أمل بتحقيق تقدم، والتحالف مشقة، والتحالف ليس صفر مشكلات، والتحالف تباين وصراع، لكن تحت سقف الإقرار بالحاجة للتفاهم.
– لمصلحة من القول إن من أسقط المجلس الدستوري منظومة يتصدرها الثنائي ويقودها رئيس مجلس النواب ضد رئيس الجمهورية، والمستفيد الوحيد هم الشامتون الذين يتربصون بالتيار على الكوع الطائفي والسياسي والانتخابي.