أوضاع اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيمات لا تحتمل الاهتزازات الأمنية
} عبد معروف
توقفت مراجع أمنية وسياسية ودبلوماسية مختلفة عند التوتر الأمني الذي شهده مخيم برج الشمالي قرب مدينة صور اللبنانية الأسبوع الماضي بين حركتي «فتح» وحماس».
وأثار التوتر الأمني في برج الشمالي بين الحركتين، إلى جانب الانفجار الذي هز مسجداً واستهدف أحد كوادر «حماس» اهتمام المراقبين من الأصدقاء والأعداء، بحثاً عن فهم كلّ ما جرى في المخيم في تلك الساعات المأساوية، وأثار القلق لدى الحريصين، من احتمال تصاعد التوتر ليشمل المخيمات الفلسطينية الأخرى في لبنان.
وما زاد القلق الأخبار التي تناقلتها تقارير صحافية لبنانية، بأنّ «عصبة الانصار الإسلامية، نفذت استنفاراً مسلحاً في الشارع الفوقاني، لمخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا، وتحديداً في منطقتي «الصفصاف ـ الرأس الأحمر»، ووصفت الإجراء بالاحترازي للحفاظ على الأمن والاستقرار، ومنعاً لدخول «طابور خامس»، على خط توتير الأوضاع على ضوء الخلافات «الفتحاوية ـ الحمساوية»، الأخيرة نتيجة أحداث مخيم برج الشمالي.
وأبلغت مصادر أمنية فلسطينية (وفق التقارير الصحافية)، أنّ الاستنفار هدف بعث رسالة، بأنّ الأمن خط أحمر، وممنوع على أي كان المساس به، وخاصة في منطقة شهدت على مرّ السنوات توترات أمنية كثيرة، نتيجة تداخل نفوذ القوى والفصائل والتيارات فيها.
التقرير الذي نشره موقع «النشرة» الإخباري اللبناني، أثار حالة من الخوف والقلق بعد أسبوع من أحداث برج الشمالي المؤسفة، ذلك لأنه تضمّن تحذيرات ومخاوف، وأكد أنّ النفوس بين الحركتين لم تهدأ بعد، أو أنّ هناك إمكانية لدخول طابور خامس على خط الخلاف، ما يعني أنّ الفجوة ما زالت واسعة بينهما، وأنّ هذا الطابور المعادي ما زال قادراً على الاختراق وخلق البلبلة وسط حركتين من أكبر الفصائل الفلسطينية، وتؤكد قيادات الحركتين أنّ لديها القدرة على مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض، (بل إنّ قيادة «حماس» أكدت خلال اليومين الماضيين أنّ الصراع مع العدو الصهيوني سيكون محتدماً خلال المرحلة المقبلة)، وهل كانت الحركتين بانتظار هذا التنبيه من «عصبة الأنصار» حتى تمتنع عن تصعيد أو توسيع شق الخلاف وعدم السماح لها بـ»تجاوز الخط الأحمر».
التصريحات والبيانات التي أطلقت خلال اليومين الماضيين من السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور، ومن القيادي في حركة «حماس» خالد مشعل، أشاعت حالة من الاطمئنان داخل المخيمات، وساهمت في الحدّ من توتير الأجواء بين الحركتين، بعد البيانات والخطابات التصعيدية بين الحركتين، حيث أكد رئيس حركة «حماس» في الخارج خالد مشعل أنّ حركة «حماس» لن تسمح بتحوّل المخيمات لساحة قتال» وأنّ «حماس» حريصة على وحدة الصف والدم الفلسطيني.
كما دعا حركة «فتح» للمبادرة إلى «تطييب خواطر عوائل مخيم البرج الشمالي»، وقال إنّ الفلسطينيين «ضيوف على أرض لبنان حتى العودة إلى أرض الوطن».
وبادر سفير فلسطين لدى لبنان أشرف دبور، إلى الردّ بتصريح إيجابي، أكد فيه على أنّ ما حدث «اعتداءٌ آثم»، داعياً إلى تغليب الحكمة الوطنية، مشدّداً على ضرورة تغليب المصلحة العامة على أيّ شيء، مردفاً: «لا يُمكن قبول ما حدث، فجرحنا واحد وخسارتنا واحدة»، مشيراً إلى أن «لا خلاف سابق بين حركتي «حماس» و»فتح»، ولم تكن هناك مقدّمات أساساً لأيّ خلاف»، وتابع السفير «أنه من الضروري الإيمان بالعمل الفلسطيني المشترك؛ لنعبر بوضعنا في لبنان إلى بر الأمان».
الانفجار الذي استهدف مسجداً أو مقراً أو مستودعاً لحركة «حماس» في مخيم برج الشمالي الأسبوع الماضي، وما تبعه من توترات أمنية بين حركتي «فتح» و»حماس»، يبدو أنه ليس حدثاً عابراً، بل شكل حدثاً أمنياً بارزاً يمكن تفسيره بكلّ الاتجاهات، وجاء الاستنفار الذي نفذته عصبة الأنصار في مخيم عين الحلوة لمنع أيّ امتداد للحادث إلى المخيمات الأخرى ليشير بوضوح من أنّ الأوضاع ليست على ما يرام رغم كلّ التصريحات التي أطلقت من الجانبين، وحقيقة الأمر، أنّ أحداً لم يفسّر لنا بالسياسة والتحليل ماذا جرى بالضبط، ولم تكشف مصادر «حماس» حتى الآن عن طبيعة الانفجار خاصة أنّ هناك همسات وتسريبات تشير إلى أصابع صهيونية في الانفجار، كما أنّ حركة «فتح» ورغم التصريح الهادئ لسفير دولة فلسطين أشرف دبور، إلا أنّ حركة «فتح» لم تفصح من الذي أطلق النار على موكب التشييع، من هو وما هي خلفياته، صحيح أنّ تفكيك الألغاز هي مهمة القضاء والأجهزة الأمنية اللبنانية، لكن من أطلق النار ليس مختلاً عقلياً بل هو شاب يحمل سلاح وينتمي لفصيل سياسي كما أنّ أحداً لم يوضح للشعب ما هي حقيقة الاستنفار والانتشار المسلح الذي نفذته عصبة الأنصار في مخيم عين الحلوة.
صحيح أنّ أوضاع لبنان المضيف لا تحتمل هذه التوترات من خاصرة المخيمات، لكن أيضاً أوضاع المخيمات الفلسطينية المأساوية وحالة الفقر والانهيار التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان لا تحتمل صراعات داخلية ولا تفجيرات أمنية.
الشعب الفلسطيني في لبنان، خاصة داخل المخيمات يحتاج اليوم من قيادته توضيح وتفسير ما يجري، وإنارة الطريق، ومن حق الشعب الفلسطيني أن يعيش بأمان واستقرار بعيداً عن السلاح المتفلت وبعيداً عن القلق والخوف والهلع. وهذا يحتاج لحوار فلسطيني ـ فلسطيني جادّ وفاعل وعلى قدر المرحلة وعلى مستوى المسؤولية، ويحتاج لقيادات حكيمة وواعية، وبمستوى عال من المسؤولية، قادرة على تنظيم صفوفها وضبط أوضاعها وقيادة الشعب وتنظيم صفوفه لنعبر معاً هذه المرحلة الخطرة، فلبنان يمرّ بأوضاع صعبة ومرحلة مصيرية، وأيضاً المخيمات الفلسطينية تمرّ بأوضاع خطرة يخطط لها الأعداء من كلّ حدب وصوب، والقضية الفلسطينية يخطط العدو لتصفيتها فالأوضاع لا تحتمل الخلافات الدموية.