مشعل…
أفهم تماماً أن يقوم أيّ عقل سياسي بتوسيع مروحة الحركة السياسية بطريقة تتيح له إيجاد حالة من المقدرة على التواصل مع جبهة عريضة من الخيارات التي قد يكون بعضها يشكل نقيضاً جزئياً للفلسفة او الاستراتيجية الموضوعة… وبطريقة تضمن حالة من التواصل وبالتالي الاستفادة من هذا التواصل بحيث تستمرّ مراكمة المكاسب الاستراتيجية لضمان تحقيق الأهداف سواءً التكتيكية او الاستراتيجية… سواء أكانت مراكمة مادية حسيّة أو حتى مراكمة معنوية نفسية، أما أن يترتب على ذلك تقديم المنفعة التكتيكية على حساب المصلحة الاستراتيجية العليا… فهذا ما لا أستطيع فهمه.
لتبسيط الأمور، فأنت كقيادي من الصفّ الأول عليك مسبقاً ان تحدّد موقفك فلسفيّاً قبل أن تجبهك الخيارات ذات فجأة، إنْ كان عليك ان تختار على طريقة أسئلة الخيارات بين ان تتحالف مع…
*نظام مقاوم… قد يكون علمانياً، ولكن خياره هو المقاومة.
*نظام إسلامي له ارتباطات دولية وارتباطات منفعية قد تجعل من خيار المقاومة أولوية متأخرة او لربما غير موضوعة على سلّم الأولويات.
*نهج أو نظام عروبي تقيّده الارتباطات الأيديولوجية عن ان تكون المقاومة أولوية أولى.
*نهج أو نظام يساري كما العروبي أو الإسلامي يبقي خيار المقاومة خاضع لاعتبارات أخرى قد تؤجّله او تجعله ذا أولوية متأخرة .
كانت مصلحة “حماس” العليا ولا تزال، والتي لا جدال فيها والأولوية في سلّم أيّ تنظيم فلسطيني في الاستراتيجية العليا… ان تحافظ على علاقة عضوية مع الحاضنة الجغرافية والشريك الأول بلا منازع في النهج المقاوم وفي التناقض الوجودي مع العدو “الإسرائيلي”… فلا تتيح بأيّ حالٍ من الأحوال وفي أيّ مرحلة من المراحل وبدون أيّ ذرائع تكتيكية تقدّم الانتماء التنظيمي الفلسفي ومتطلباته الى مقدمة المحركات التي تشكل الناظم الرئيسي للحركة على حساب الناظم الحركي العملياتي الذي يولج التنظيم في عملية التناقض اليومي والاستراتيجي للعدو من الناحية الجغرافية ومن ثم الممارسة اليومية لهذا التناقض والتشارك الكلّي في استراتيجية الصراع الوجودي مع العدو .
هذا هو بالضبط ما فعله خالد مشعل ومجموعة من قيادات “حماس”، عن قصور في مستوى الاستراتيجية العليا او بسبب ٍ من المنافع المادية التي لا تخدم الهدف الاستراتيجي العام للقضية، خطأ استراتيجي قاتل، أقلّ ما يجب ان يترتب عليه تنحّي هذه الشريحة من القيادات جانباً، كبادرة حسن نية حتى يتسنّى عودة الأمور الى نصابها…
تنحّ جانباً يا “مشعل”… فالخطأ الذي ارتكبته ليس من النوع الممكن ترقيعه… فلقد ترتب عليه دم…!