خان العادلية في حلب: خمسة قرون وما زال مدهشاً
تعد الخانات من المعالم الأثرية التاريخية المهمة في مدينة حلب.
وهي أبنية شُيّدت لأغراض التجارة والصناعة والإقامة والسياحة معاً، فقد كانت تستخدم الطوابق العلوية منها فندقاً أو نزلاً في ذاك الزمان، كان لكل جالية أوربية خان خاص بها للسكن، طوال قرون عدة، مثال: عائلة الخواجة «ماركوبلي» الإيطالية التي كانت تسكن في خان العلبية، وعائلة «بوخه» النمساوية التي كانت تسكن في خان النحاسين وهي سليلة عدة قناصل على مرّ الزمن.
يقع خان العادليّة بين خان العلبيّة وجامع العادليّة الملاصق له.
يدخل إليه من جانب سوق القطن، وله مدخل فرعي من خان العلبيّة.
بناه والي حلب محمد باشا دوقاقين العادلي، وكان يشكل وحده وقفية متكاملة مع الجامع أي جامع العدليّة، وخان العلبيّة وسوق الجوخ وحمّام النحاسين، وقد شيّدوا تقريباً في عام 1556.
سميّ بالعادليّة نسبة إلى عائلة «العادلي» التي كانت تقطن فيه قديماً.
باب هذا الخان خشبي كبير يُفتح بمصراعين، ثم نتجه بعد ذلك لبهو الداخل الذي يضم غرفتان جهة اليمين وغرفتان جهة اليسار تحت سقف مقنطر رائع الجمال، ثم نتجه نحو باحته الواسعة المستطيلة التي تتوسطها بركة ماء، وبقربها تمتشق شجرة كريفون مثمرة بكل عطاء، وبئر ماء.
تحيط بها عشرون غرفة أرضية، وعشرون غرفة تتموضع في الطابق العلوي.
وعند نهاية العتبات التي تأخذنا إلى الطابق العلوي، تطالعنا الغرف العشرين بكل وسامة وأناقة، تعرّش على أكتاف حيطانها لبلابة لا زالت تتمتع برونق إخضرارها.
يمتاز سقف رواقه العلوي بزخارف خشبية ملونة بديعة الشكل.
وجميع تلك الغرف تشرف على الباحة الداخلية للخان، ومنها ما يشرف على الخارج.
خان جميل لديه سحره الخاص، كأن الزمن فيه قد توقف قبل عشرة أعوام، فما زال صدى الأغاني والموشحات، وأطياف من فرق المولوية، وهم يسبّحون في ملكوت الله.
لكن للأسف، لقد فرغ المكان من أصحابه، ولم يتبق فيه سوى أطلال من الذكريات، بسبب الحرب الجائرة على مدينة حلب عام 2012، فقد تهدَّم جزء كبير من هذا الخان، ورفعت عنه ركام الحرب عام 2018، وهــا هو الــيوم يستــعيد عافيته من جديد.
وقد التقيت السيد «مازن صالحة» الذي كان يحرص عليه كل الحرص، لأنه جزء من طفولته كما قال… وأضاف شارحاً سبب تسمية الخان حالياً، في خان صالحة نسبة إلى والده الحاج «محمد صالحة» الذي أعاد ترميم الخان قبل الحرب، في عام 1990، وانتهى عام 1997.
وتابع قائلاً :
«كان جدي ووالدي يعملون في مهنة الصوف والجلود، ثم انتقلت مهنتنا إلى الدباغات التي توجد خارج الخان، وأذكر تفاصيل تلك المهنة، حيث كان الصوف يأتيــنا خــامي أي مباشرة من جز صوف الخاروف، ثم يقومــون بعزله حسب اللون، ثم يغسل داخل أحواض ماء كبيرة ضمن الأقبية، ثم ينشر على سطح الخان وبعد جفافه، يندف كي يصبح ناعماً، لنقوم بشحنه إلى خارج القطر مثل إيطاليا كي يصنعوا منه سجّاداً من الصوف».
أما بالنسبة إلى الجلود.
فهي عبارة عن جلد الغنم، نقوم بغسله وتمليحه، وقشطه ليصبح الجلد ناعماً، فنقوم بعد ذلك بصبغه بالدباغات حسب الطلب، ليصبح جاهزاً عبر قوالب لصناعة الجاكيتات الجلدية المحلّية التي يتم شحنها إلى عدة دول عربية وأجنبية مثل إيطاليا إسبانيا ومصر.
وتابع صالحة حديثه قائلاً:
«في صغري اطلعت على عملية دبغ الجلود وتصنيعها وكذلك الصوف، لكن كان شغفي يميل إلى الشرقيات كالنحاس والفضة والسجّاد، والحرير والكلابيات، وأقمشة الأغباني والبروكار… الخ».
وفي عام 1990 قمنا بنقل مهنة الصوف والجلد إلى منطقة الدباغات، وأعاد والدي كما ذكرت سابقاً ترميم الخان، ليصبح بعد ذلك جاهزاً، يضم عدة محال لنا تعنى بالشرقيات، ومكاتب تجارية أخرى لغيرنا لتجارة الخيوط.
فكان لي ما أردت، فعملت حينها على إقامة عدة معارض، وحفلات فيه، كما أحضرت فرقاً للمولوية، ليضيف جمالاً على جماله، وكي يجذب الزوار إليه والسيّاح.
وفي الحرب الجائرة على مدينة حلب عام 2012، قام الإرهابيون بتدمير هذا الخان حاله كحال باقي أسواق وخانات مدينة حلب.
وبعد التحرير عام 2018 عملنا على تنظيف هذا الخان بالكامل، ساعدتنا بذلك منظمة UNDP مشكورة.
لكن نسبة الدمار فيه حوالى 30 في المئة، لذلك نأمل بترميمه من جديد، وعودة الكهرباء إليه من داخل الخان وخارجه أيضاً.
كما نأمل بفتح الطريق المؤدي إلينا عبر خان الشونة لتفريغ بضائعنا، لأنه الأقرب والأقصر.
وختم قائلاً :
«ما زال قلبي فتياً ينبض هاهنا يركض على جنباته.
فلا عشق يضاهي حب الوطن».