الحوار الفعلي في صناديق الاقتراع
} علي بدر الدين
دعوة الحوار العامة التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، هي من الناحية النظرية تتلاءم مع أجواء المحبة والتسامح والسلام المطلوب تعميمها، أما من الناحية السياسية والطائفية والمذهبية الطاغية، وعلى أبواب الاستحقاق الانتخابي النيابي، هي في غير ظروفها وتوقيتها وفعاليتها وتأثيرها، لأنّ أيّ حوار بين مكونات الطبقة السياسية وسلطتها ومنظومتها أو معها في هذه المرحلة هو من دون جدوى، لأنّ كلّ فريق بات يغني على مصالحه، وهو على يقين أن لا مكاسب له من هذا الحوار، الذي يعتبره البعض، أنه جاء متأخراً ولا يلبّي طموحات أحد، ولا يعدو كونه بالنسبة إلى المدعوّين إليه، سوى موقف محرج لهم ومخرجاً للآخرين ولا هدف منه سوى حشرهم وتحميلهم تداعيات عدم الاستجابة إليه، التي ربما «ينجح» في لجم الانهيارات المتتالية، و»فرملة» الإندفاعة السريعة نحو الأسوأ والأخطر والسقوط في المجهول.
ربما كانت الدعوة إلى الحوار فاعلة وقد تؤتي ثمارها، ولا يرفضها أحد من المنظومة السياسية، لو قال رئيس الجمهورية، ما كان متوقعاً منه قوله قبل إطلالته التلفزيونية، وتوجيه سهام الاتهامات وتحميل المسؤوليات للمقصّرين والفاسدين والسارقين والمحتكرين، والذين نهبوا وأهدروا المال العام والخاص، وأفلسوا الدولة وأفقروا الشعب وجوّعوه وأذلوه وحرموه حقه في المعيشة والحياة الكريمة، أو حتى تلميحاً وإيحاء، إذا لم يكن بالمباشر وتسمية الأشخاص والأسماء بأسمائها، لكانت «غصت» طريق بعبدا بالمهرولين إلى القصر طلباً «للسترة» وعدم الفضيحة التي ستكون بـ «جلاجل»، وكانت اهتزت الفرائص أمامها، وكثر الترحيب بالحوار والتأمت طاولته في خلال ساعات أما وقد جاءت على «البارد»، واعتبرها المعنيون لزوم ما لا يلزم، واستكثروا حتى التعليق عليها سلباً أو إيجاباً وكأنهم غير معنيين بها وليست موجهة اليهم.
مهما كان من أمر الدعوة إلى الحوار، فإنها حتماً لم تحقق المرجو منها، ولن تبصر النور مع طبقة سياسية مجرّبة ومخرّبة وفاسدة، التي لطالما تحاورت ليس من أجل مصلحة الوطن والدولة والشعب والمؤسسات، بل من أجل مصالحها وحصصها ونفوذها ولحماية ثرواتها المكدّسة وما نهبته من أموال عامة وخاصة، ولتعزيز مواقعها وتحريض جمهورها في مواجهة شريكه في الوطن لإعادة إنتاجها دون سواها، وهي متيقنة أنه سيتجاوب معها، ويمنحها ثقته و»صوته» رغم كلّ المآسي التي حلت به على مدى عقود.
لقد بات واضحاً بالأدلة القاطعة والبراهين الثابتة ان الطبقة السياسية لا يعنيها الحوار، لا من قريب ولا من بعيد، لأنه لا يخدم مصالحها، كلّ ما يعنيها ماضياً وحاضراً، هو تخدير الشعب وتطويعه وتجويعه، ومحاولات إرضائه بمزيد من المناورات والألاعيب والتمويهات والمصطلحات الغريبة العجيبة والشعارات وحق الطائفة او المذهب او المنطقة، ليبقى نائماً ومغيّباً ومن دون رأي أو قرار، ومسلوب الفعل والقول والإرادة، وقد نجحت في كسب ودّه وتحييده وإبطال أيّ ردّ فعل لديه، ليسهل عليها بسط سلطتها وسلطانها ونفوذها من دون من يراقب أو يحاسب أو حتى يسأل ولو بصوت خافت.
هذه الطبقة التي طغت وأفسدت وتحاصصت وظلمت واستبدّت وأكلت الأخضر واليابس، لن تكون هي الحلّ، ولن تصلح للحوار في أيّ زمان ومكان، وهذا ما يؤكد أنّ دعوتها إلى الحوار باطلة وفاشلة سلفاً، ولن يفيد معها إلا مواجهتها بالحقائق والإثباتات المتوفرة، التي تدينها وهي كثيرة ولا تعدّ ولا تحصى، أو اللجوء الى أضعف الفعل ولكن مفعوله سحري وكبير وكحدّ السيف إذا ما أحسن استعماله، ولا يكلف كثيراً، وهو محاسبتها من خلال صناديق الاقتراع، التي وحدها كفيلة بكشفها وإسقاطها بالضربة الانتخابية القاضية، إذا ما أراد الشعب الانتقام منها على ما أوصلته اليه من فقر وجوع وذلّ وبطالة وحرمان وغلاء وعتمة وأمراض وموت بطيء. وعندها لا حاجة ولا قيمة ولا معنى لحوار الطرشان…