فنزويلا ومادورو من الصمود الى الصعود
معن بشور
لم تكن المقابلة التي أجراها الإعلامي المميّز على فضائية «الميادين» غسان بن جدو مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مقابلة مهمة بالرسائل التي وجهها الرئيس المناضل الى جهات عديدة، دولية وإقليمية، وخاصة عربية، فقط، بل أيضاً بالحقائق التي كشفتها عن انتقال فنزويلا من مرحلة «الصمود» بوجه حصار قاس عرفناه في العراق وفلسطين وسورية ولبنان واليمن الى «الصعود» في تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية أخذت معها الثورة البوليفارية التي أطلقها الرئيس هيوغو شافيز قبل أكثر من عشرين عاماً تتعافى من آثار مدمّرة لحصار جائر حوّل فنزويلا من بلد نفطي ثري الى بلد مضطر لأن يستورد نفطاً من إيران مخترقاً الحصار الأميركي المضروب حول دولة مجاورة للولايات المتحدة الأميركية.
أبرز تلك الحقائق هي التأكيد على موقف فنزويلا الثابت من الحقّ الفلسطيني ومنع أيّ كان من أن يتحدث معها في تخفيف دعمها للشعب الفلسطيني، وهو موقف يزداد أهمية في هذا الظرف الذي نجد فيه حكومات عربية تهرول الى التطبيع مع العدو، فيما كاركاس البعيدة آلاف الكيلومترات عن فلسطين تتمسّك بثوابت عربية وإنسانية رغم كلفة هذا الموقف على غير مستوى.
ولعل في كلمة «آخ» التي خرجت بشكل عفوي من محاوره الأستاذ بن جدو متحسّرة على مواقف هذه الحكومات بالمقارنة مع موقف مادورو ما يلخص جوهر المقابلة وأهميتها الاستثنائية في هذا الظرف الاستثنائي.
ثاني تلك الحقائق هو ما أعلنه الرئيس الفنزويلي عن تسجيل بلاده وللمرة الأولى منذ سنوات نمواً في إنتاجها المحلي رغم كلّ الظروف الصعبة التي تواجهها، وهو نمو ما كان ممكناً أن يتحقّق لولا توجّه فنزويلا في قلب الأزمة التي واجهتها الى الاقتصاد المنتج الذي لا يكتفي بالمخزون النفطي الكبير لفنزويلا بل يتجه نحو الصناعة والزراعة وكافة القطاعات المنتجة، مستخدماً لأكثر من مرة مصطلح «الاقتصاد الحقيقي» في تميّزه عن «الاقتصاد الافتراضي» الذي ابتدعته النيو الليبرالية لتشهد اليوم تعثره في اقتصادات الدول الكبرى التي اعتمدت الاقتصاد الريعي والاقتصاد الافتراضي أساساً لاقتصادها.
ثالث هذه الحقائق انّ صعود فنزويلا بات مرتبطاً بصعود متنام في كافة دول أميركا الجنوبية وبحر الكاريبي حيث يحقق اليسار الرافض للهيمنة الأميركية انتصارات انتخابية في العديد من الدول المجاورة لفنزويلا بانتظار الانتصار القادم الأهمّ وهو فوز الرئيس البرازيلي السابق لولا دي سليفا برئاسة البرازيل بعد أن نجح «النيو الليبراليون» في سجنه لسنوات، ناهيك عن نجاح الرئيس الشاب غابريال بوريك في التشيلي بعد حوالي أربعين عاماً على انقلاب بينوشيه واغتيال الرئيس المنتخب آنذاك سلفادور الليندي، ونجاح مرشح موراليس لرئاسة بوليفيا بعد نجاح الانقلاب اليميني عليه واضطراره لمغادرة البلاد، وإعادة انتخاب اورتيغا في نيكاراغوا للمرة الرابعة رغم كلّ الضغوط الأميركية، ونجاح المرشحين اليساريين في الأرجنتين والأكوادور والبيرو.
لكن النصر الأكثر سطوعاً، هو الفوز الساحق لانصار الثورة البوليفية في الانتخابات المحلية في فنزويلا حيث نالوا ثلثي أصوات الناخبين في العاصمة والمقاطعات المتعددة بعد كلّ ما شهدته فنزويلا من ضغوط.
رابع تلك الحقائق هو العاطفة الواضحة التي أبداها الرئيس الفنزويلي تجاه العرب والمسلمين مُقرّاً بتشابه الظروف التي واجهتها فنزويلا بتلك التي تواجهها سورية ولبنان، وثقته بانتصار البلدين على كلّ ما يُحاك لهما، وهذه عاطفة تؤكد انّ استثمار الحركة العربية القومية، والحركة الإسلامية المجاهدة في أميركا الجنوبية على مدى عقود طويلة لم يذهب سدى، وكلنا يذكر ما قال يوماً الراحل شافيز إنه «ناصري» وما ردّده اليوم مادورو من مشاعر الوفاء تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران ومساندتها لبلاده…
خامس تلك الحقائق هو النموذج التي تقدّمه فنزويلا على مدى 20 عاماً ونيّف، بعد النموذج الذي قدّمته كوبا على مدى 60 عاماً ونيّف، عن قدرة دول صغيرة نسبياً تقع على مقربة من الولايات المتحدة الأميركية على الصمود في وجه الحروب والفتن والضغوط التي كانت واشنطن وراءها، وتؤكد القانون الثوري الذي يحاول الكثيرون تجاهله وهو «انّ موازين الإرادات أقوى من موازين القوى لأنّ الإرادات قادرة على صنع القوى فيما القوى في غياب الإرادات عاجزة عن تحقيق أيّ انتصار».
انّ استعادة بعض هذه الحقائق التي كشف عنها الرئيس مادورو في مقابلته مع «الميادين» هي عبر ودروس لنا في لبنان لمواجهة الأزمة التي يعيشها، ولأمتنا كلها التي تعاني من تخاذل بعض أنظمتها واستسلامها للضغوط والاملاءات الأميركية.
وحين قرّرنا في المؤتمرات العربية والمنتدى القومي العربي والحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الأمة، وسائر الهيئات الشعبية العربية، ان نقيم فعاليات التضامن مع فنزويلا البوليفارية منذ عهد الرئيس الراحل هيوغو شافيز والرئيس الحالي نيكولاس مادورو في «دار الندوة» وسفارة فنزويلا وفندق البريستول، لم نكنّ نعبّر عن تضامن الأوفياء مع شعب لم يتوانَ يوماً عن تضامنه مع قضايانا العادلة بدءاً من فلسطين المحتلة الى العراق المحاصر الى سورية المستهدفة الى لبنان المهدّد في وجوده الى اليمن الجريح، بل أيضاً لأننا واثقون بأنّ النهج المعتمد في فنزويلا، شعباً وجيشاً وقيادة، هو نهج منتصر ولو طال الزمن…