حان وقت رحيلك،
} علي اليسوعي
أيامكِ نفدت… 365 يوماً، ونحن نحصي الساعات والدقائق والثواني… كي تأتي نهايتكِ، وها قد أتت…!
كم من المصائب والكوارث والحروب أتت ترافق ميلادكِ؟ ميلادكِ الذي تمنطق بحزام البؤس، وتقمّص عباءة فيروس كورونا، الوباء الجائحة، الذي جعل منا جمعية لمواكبة الموت ودفن الحياة، الوباء الذي سخِر من أعمارِنا، وأسمائنا، وأصولنا، وأجناسِنا، وأدياننا، وألوان جلودنا.
حملتِ إلينا الخوف والمآسي، الجوع والوجع، التشرّد والتهجير، الدمار والقتل، التفجير والموت، سرقتِ منا آلاف السنين من التاريخ والآثار، سرقتِ منا آلاف السنين من الحضارةِ والعمران، وأورثتنا اليتم، والنزوح والعيش في العراء، حملتِ إلينا الفرقة والتباعد، وصادرتِ منا أعيادنا، ومواسمنا، وسلبتِ بسماتنا، أنت من حرم أطفالنا من دفء أحضاننا…
جئتِ إلينا بعد منتصف الليل، وسيوفكِ مسلولة، لتذبحي النهار الآتي إلينا، وتخنقي الأحلام وهي نائمة فوق أسرّتنا! أنت من اغتصب منا حقنا في الحياة، ومنعتِ عن قلوبنا الرجاء، ولأول مرة أنت من وحّد إنسانية الانتماء إكراهاً، متسربلاً بشرط الزوال، الذي ينتظركِ في ليلة ولادتكِ الزائلة، تذكري كم من المهللين لولادتكِ دفعوا ثمن فرحتهم من أوجاعهم؟ كم من الألعاب النارية التي أضاءت سماء العالم، لتتحوّل إلى قنابل وعناقيد تفجير وتدمير؟ حان وقت رحيلكِ، اذهبي الى غير رجعة، استحلفكِ أن تأخذي معك دموعنا وتتركي عيوننا، أن تأخذي أوجاعنا وتتركي جروحنا، خذي كلّ ما هو لكِ من مصائب وكوارث، خذي كلّ ما هو لكِ من حقد وبغضاء، خذي كلّ ما هو لكِ من كفر وذلّ، واتركي ما لنا من إيمان وكرامة، خذي الغبار واتركي لنا الدمار، كي نبني ما تهدم…
خذي كلّ ما حملتِ إلينا يوم ولدتِ، خذي كلّ الندم، واتركي لنا الآتي مع الغد المولود من رحم نسل البداية،
ونعدك بأنّ التاريخ سيذكركِ في فصول الحكاية، جئتِ إلينا كالضيف المسافر، في أحلام النهار، ومن يا ترى توّجكِ، بداء التاج الغادر؟ هذا الذي هجّر الإنسان منا، وفي زمن هجرته، انبَرَت قلوبنا مُفتِشةً، عمن تركوا الحياة للعيش ضمن المقابر.
استحلفكِ أن ترحلي، وخذي كلّ سلالة وكلّ تاج،
أما حان الوقت لأطفال هذا العالم أن يفرحوا بطفولتهم؟ أما آن الوقت أن تقبِّل الشمس خدودنا؟ اننا نحنّ إلى غمرة وضمّة، نحنّ إلى قبلة وشمّة، يحق لنا أن نرى وجوهنا بدون أقنعة أو كمامات، أطفالنا يحنّون إلى أكتافنا، ليشعروا بعطف الآباء، والى أحضاننا ليحسّوا بحنان الأمهات، ارحلي ولا تتركي لنا من التيجان سلالات، تحسّرنا، وكادت الحسرة تقتلنا، ليس عليكِ، وإنما على من قُتِلَ وشُرِّدَ، على من نزح وجاع ومات، وتذكري، بالله عليكِ أن تأخذي وباءكِ، واتركي لنا عزة الحياة،
وبالله عليكِ لا تنسي أن تأخذي معكِ كلّ سلالات حكامنا الساسة اللصوص في لبنان، ولا تنسي أمراء وملوك ورؤساء العرب، كي لا يبقى بعد الآن عليكِ عتب، ارحلي يا سنة 2021، ولا تتركي ايّ نسل أو سلالة أو تاج، إلى غد آتٍ مع الساعة الصفر، لولادة، سنة2022، أقسم اننا لا نحتاج إلى تيجان ولا إلى سلالة من السنين، اتركي جروحنا وخذي السكين، خذي الندم واتركي لنا ما عندنا من يقين، بالله عليك ارحلي يا سنة ألفين وواحد وعشرين، وخذي معكِ كلّ ما تملكين، ونحن سنصلي ونصلي، ونصلي، كي لا تعودي، آمين…