نقاط السيد نصرالله على الحروف متعددة الإتجاهات
تجاوز الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب إحياء ذكرى استشهاد القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، إطار تكريم الشهادة الى ردّ الاعتبار لأصول الانقسام الذي تعيش المنطقة في ظلاله بين محور المقاومة الذي تقوده إيران والمحور المقابل الذي تقوده واشنطن وتنضوي فيه «إسرائيل» ودول الخليج وفي مقدمتها السعودية، حيث من غير المقبول من القوى السياسية والنخب ان تتصرّف تجاه هذا الانقسام وكأنه قضية تخص قوى المقاومة لاعتبارات لا علاقة لها بمستقبل المنطقة وشعوبها، أو كأنّ هذه القوى والنخب ضيوف على هذه المنطقة تتفرّج عن بعد على هذا الصراع.
جوهر ما قاله السيد نصرالله هو أنّ زمن تغاضي المقاومة عن موقف القوى السياسية والنخب من الصراع مع أميركا وجماعتها في المنطقة، تسهيلاً للأكلاف والتبعات على هذه القوى، قد انتهى، فالمقاومة التي كانت تقول ان لا مشكلة لديها بالعقوبات التي تفرض عليها وبتصنيفها على لوائح الإرهاب طالما انّ الأذى محصور بها، هي المقاومة التي باتت تشهد محاولة لتزوير التاريخ وتشويه الصراع، بحيث تصبح أميركا وحلفاؤها وفي طليعتهم السعودية، أصدقاء وتصبح المقاومة مشاغباً يجب ان ينضبط بما يتيح استرضاء واشنطن والرياض، فسؤال نصرالله عن تعريف العدو والصديق وتوصيفهما بات يشكل ألف باء البحث السياسي مع الحلفاء وغير الحلفاء.
المقاومة ليست مشكلة دول المنطقة وشعوبها، بل هي ردّ هذه الشعوب على الإذلال والاحتلال والإرهاب، ويجب أن تعامَل بعرفان بجميل تضحياتها وأن تحفظ كرامتها ويصان حضورها على هذا الأساس، وكلّ من أيد الاحتلال وتسبّب بالإذلال ودعم الإرهاب يجب ان ينظر اليه كعدو، ولو كان النقاش ممكناً تحت عنوان المصلحة بالحفاظ على ضرورات الحكومات في العلاقات الدولية والإقليمية، لكن أن تصل الأمور الى حدّ توصيف المقاومة وايران كعقدة يجب حلها لأنّ الرضى الأميركي والسعودي هو بوابة المصالح الوطنية فتلك كارثة سياسية ووطنية وأخلاقية.
للبنانيين معادلة السيد نصرالله تقول لو تركنا كلّ الماضي ونظرنا الى الحاضر والمستقبل، هل تمثل ثورات النفط والغاز مصلحة لبنانية عظمى، وهل المقاومة سبب لقوّة لبنان التفاوضية، بل مبرّر لجوء العدو للتفاوض، وسبب حماسة واشنطن للبحث عن حلّ وسط، فكيف يمكن ان تتحوّل المقاومة التي تدعمها إيران دون مقابل يطلب من لبنان، الى مصدر قلق ويصير الأميركي الذي يضغط على لبنان لتخفيض سقف حقوقه إرضاء للعدو، صديقاً حريصاً على المصلحة اللبنانية؟
إعادة ترسيم العلاقات اللبنانية على أساس الموقف من توصيف موقع المقاومة وموقع أميركا من مفهوم المصلحة الوطنية، تشبهه إعادة ترسيم العلاقات اللبنانية على أساس توصيف موقع المقاومة وموقع السعودية من مفهوم الإرهاب، وربما يكون السيد نصرالله في هذا الخطاب قد وضع رؤوس جسور ضمنية لما سيقوله في مناقشة كلام رئيس التيار الوطني الحر، من موقع متمسكون بالتفاهم ومستعدون لتطويره، لكن هناك ما يحتاج قبل ذلك للنقاش والتوضيح.
في السعودية رغم الضجيج، يقرأ لبنان من مدخل النظر لحزب الله، حيث لا اهتمام بما يقدّم من تنازلات، ولا بما يجري وسيجري من استحقاقات إلا من مدخلين، الأول مستقبل العلاقة بحزب الله في ضوء اقتراب الانسحاب الأميركي من المنطقة، وحالة الذعر «الإسرائيلية» في ضوء ذلك، والانفتاح على الحوار مع إيران استعداداً للمرحلة المقبلة، والثاني ما سيقرّره الأميركي الراحل عن المنطقة والراغب بتبريد جبهات الصراع، وفي قلبها تفادي مخاطر نشوب مواجهة تمنح محور المقاومة فرص انتصارات جديدة، وفي قلب ذلك ما سيطلبه من السعودية من انفتاح على خيار لبناني يمثل حزب الله قوة حاسمة من معادلته السياسية، ولن يحصد اللبنانيون المستعجلون والموهومون بتقديم أوراق الاعتماد إلا الخيبات.