سليماني أمثولة الفداء
د. طارق سامي خوري*
أرض غزة تشتاقك، حين كانت ترى في عينيك بشائر الحرية، وحين كنتَ تحمل إليها في راحتيك هدايا الصمود في جه المحتلّ، وعلى ذلك تشهد ملاحم القطاع المحاصر منذ خروج دنس المحتلّ مذلولاً مدحوراً من أرض غزة عام 2005.
تراب الجنوب اللبناني يحنّ إلى ابتسامتك في كلّ مرة كان يزفّ إليك بشرى انتصاراته، وكيف أنه منذ مطلع الألفية الثالثة أشهدَ التاريخ على تمريغ أنف جيش قيل يوماً إنه لا يُقهر، فكنتَ خير من يتلو آيات قهره، ودحره على مسامع المقاومين من أبنائك وتلاميذك وأمام أعينهم.
ولا ينساك تموز لبنان 2006 حين كنتَ قاب قوسين أو أدنى من شهادة لطالما تمنّيتها، فكان لطف الله ألا تُستشهَد إلا وأنت قرير العين على ما صنعت يداك في ساحات وغى المحتلين والطغاة من بغداد إلى بيروت، وأن يكون التحاقك بسفينة من سبقوك على درب الشهادة فرض واجب شوق إلى القدامى من رفاق السلاح الشهداء من ثلة الشرف القومي والإلهي على مذبح الأمة.
أما سورية وتوأمها عراقنا، فلا يزالان يقرآن على مسامع الدنيا تعويذتيهما ضدّ التكفير وشرّه، الذي أدمى ذاكرة الشعوب، وأوغل في القلوب الثكلى جراحه، فكنتَ نصراً وبشرى للصابرين على الحق ليس بعده.
ولا ننسى اليمن، وسائر أقطار مقارعة الاستكبار الأميركي وملحقاته، حيث يغصّ الحزن بمرارة فوق أحزانه، والأمل معقود على أنّ شهادة الرجل الذي كرّس حياته في غرس المقاومة فكراً ونهجاً وعملاً، حصادها سيكون انتصاراً جلياً، لا لبس فيه، وتحريراً لا عودة عنه.
كعادة العظماء سموتَ مع رفيق الجبهات على درب الجلجلة المقدس، يا صبحاً ينضح بالتضحيات، وكفاً انبسط للحرية…
حاج قاسم ماذا أخلع عليك لقباً… فخامة المجاهد؟ قداسة المقاوم؟ أم رسول فلسطين فينا؟
كعادة العظماء رحلت، قائداً كما أنت الآن، ولطالما كنت.
بدمائك اختصرت خريطة تعبر الأوطان، فوق كلّ وطن، فارتقى في العُلى مقامك شامخاً فوق كلّ لقب. بماذا أناديك، وماذا أقول لأرثيك يا شهيدَنا، وهل فيك حقاً شيء ما ليسلبه الموت أم أننا نحن الموتى؟ فالقادة لا يموتون في التاريخ، والعظماء لا يبرحون الضمائر الحية مهما بلغوا في الموت أم بلغ الموت فيهم.
غرستَ فينا بالمقاومة دروساً حين كنت بيننا، وها أنت اليوم تبلغنا بأزكى الشهادات أسمى أمثولة للفداء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ