قاسم سليماني قائد مستمرّ الحضور بعد الاستشهاد وينتصر…
العميد د. أمين محمد حطيط*
بعد سنتين على ارتكابه جريمة اغتيال القائد الشهيد قاسم سليماني خرج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد إخراجه من البيت الأبيض، خرج ليكشف بعض أسرار وتفاصيل عمليته الإرهابية الإجرامية التي أوْدت في مطلع العام ٢٠٢٠ بحياة القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وليؤكد في ما كشف عنه انّ العملية هي عمل أميركي صهيوني مشترك خطط لها من قبل أميركا و«إسرائيل” وكان مقرّراً ان يكون تنفيذها أيضاً بعمل مشترك منهما لكن رئيس حكومة العدو “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو تراجع عن الاشتراك في التنفيذ خشية ردّ فعل إيران ومحور المقاومة وترك ترامب وحده يرتكب هذه الجريمة التي ادّعى انّ قواته بعدها “ستكون أكثر أمناً في المنطقة”.
لقد شكلت جريمة أميركا في اغتيال القائد سليماني نموذجاً للإرهاب الأميركي الذي يمارس في سياق إرهاب الدولة الذي تمارسه أميركا ولا تقيم فيه وزناً للقيم وللقواعد القانونية ولسيادة الدول، حيث انّ تنفيذ الجريمة قرب مطار بغداد شكل انتهاكاً لسيادة العراق واعتداء على ضيفه فأحرج العراق الذي كان نظم علاقته مع أميركا بموجب “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” التي تدّعي أميركا عبرها أنها تحفظ وتحترم سيادة العراق وأمنه، لكن أميركا كما بات معروفاً لا تقيم وزناً لتعهّد ولا تنفذ التزاماً حيال أيّ كان إذا وجدت انّ مصالحها تفرض التراجع والنكول، فالمتعاقد مع أميركا لا يمكنه ان يطمئن لتنفيذها لتعهّداتها واحترامها لالتزاماتها.
لقد اتخذ الرئيس الأميركي بنفسه قرار ارتكاب الجريمة و«فاخر بتنفيذها” نظراً للأهمية القصوى للهدف ولتأثيره كما يتصوّرون على مجمل السياسة الأميركية في المنطقة المسماة بالمصطلح الأميركي “المنطقة الوسطى” والتي تنتشر فيها قوات أميركية في قواعد عسكرية او خنادق ميدانية من أفغانستان الى شاطئ المتوسط شاملاً كامل الجزيرة العربية والتي هي بالمصطلح الجغرافي غربي آسيا التي خططت أميركا لتحويلها الى “مستعمرة” او منطقة نفوذ أميركي، فتصدّت لها إيران ومحور المقاومة وبرز الشهيد قاسم سليماني كقائد ميداني واستراتيجي محوري متقدم لمواجهة مشروع استعماري تقوده أميركا وتنفذه على منطقة بالغة الأهمية في العالم، منطقة يملك قرار العالم من يملك قرارها.
لقد برع الحاج قاسم في أداء المهمة التي تولاها وأظهر حرصاً منقطع النظير على النجاح في كلّ جزئياتها مع تعدّد الميادين وتباعدها وتنوّعها حتى بتّ تراه في أفغانستان حاضراً بشكل متواصل يخطط يجهّز ينفذ مع المقاومة الأفغانية التي انتصرت في النهاية وأخرجت الأميركي وطردته ذليلاً، وفي العراق فاجأ الأميركي بحضوره وتصدّيه لداعش التي ابتدعها الأميركي ليتخذها جسر عودة لاحتلاله مجدّداً، فإذ بالقائد سليماني يحتضن الحشد الشعبي الذي تشكل استجابة لفتوى المرجعية بالجهاد من أجل سيادة العراق واستقلاله، ويهزم داعش ومن خلفها.
إنجازات أضيفت الى سابق إنجازاته وأعماله مع المقاومة الفلسطينية في غزة والخارج والمقاومة الإسلامية في لبنان، المقاومة التي سجلت أهمّ انتصارين ضدّ العدو الصهيوني في العامين ٢٠٠٠ تحريراً و٢٠٠٦ منعاً من العودة.
وهكذا نظرت أميركا الى الشهيد قاسم سليماني فوجدته قائداً فذاً يقارعها بحكمة وشراسة ويشكل العقبة الكأداء في وجه مشروعها الإرهابي الرامي للسيطرة على المنطقة ووصلت الى قناعة بأنها لا تستطيع أن تحقق أهدافها في الميدان الذي شكل الشهيد قاسم فيه ركناً قيادياً محورياً فيه ان لم تتخلص منه وبهذا التصوّر والذهنية أقدمت على ارتكاب جريمتها بقرار من رئيس الدولة الأميركية… فهل تحقق هدفها؟
من ينظر في وقائع الانتشار العسكري الأميركي في المنطقة بعد سنتين على استشهاد الحاج قاسم يجد تراجعاً وانحساراً لهذا الوجود، حيث هربت القوات الأميركية من أفغانستان بشكل دراماتيكي بشكل مخز. وفرضت المقاومة العراقية تخفيضاً وتغييراً لطبيعة الوجود الأميركي في العراق فتحوّل الى وجود لوجستي وتدريبي غير قتالي (وهو رغم التضليل والنفاق في التحوّل والتسمية فإنه يخفي تراجعاً) والمسيرة مستمرة لإخراج كامل القوات الأجنبية من العراق. وفي سورية تمّ تثبيت سيطرة الدولة على المناطق المحررة وتشكلت المقاومة الشعبية التي بدأت ترسل الرسائل الأولية للأميركي بوجوب الانسحاب والخروج من سورية. وفي فلسطين باتت المقاومة على قدر من الأهمية يزعزع أحلام العدو بالأمن والاستقرار. أما في لبنان فقد رسمت المقاومة معادلات الردع والرعب في وجه العدو التي قيّدت قراره بالعدوان، وبالتالي فإنّ السنتين التي غاب فيهما الجنرال سليماني جسداً كان فيهما الشهيد سليماني حاضراً وبفعالية يعمل وينتصر موجهاً رسالة حاسمة للأميركي والصهيوني بأنّ جندكم لن يكونوا أكثر أمناً إذا استشهد الحاج قاسم، بل انّ دماء الشهيد ستستمرّ بتوليد العصف والإعصار الذي يقتلعكم من كامل المنطقة وهذا ما يحصل الآن.
لقد نفذت أميركا جريمة اغتيال قاسم سليماني لتتخلص من وطء فعله وجهاده وتثبيت سيطرتها على المنطقة، لكنها لم تعلم أنها حققت بذلك حلم من استُهدف وهو الذي كان يتوق الى الشهادة ويبكي ساعات الليل خوفاً من أن يعاجله الموت دون ان يدركها او دون ان يجد مقعده إلى مائدة الإمام الحسين كما كان يردّد… ولم تدرك بأنّ دماءه ستتحوّل الى إعصار يقتلع وجودها الاستعماري ويطهّر المنطقة من إرهابها، ويكون اللواء الشهيد الحاج قاسم بذلك نال الوسام الإلهي شهادة لنفسه وعزة الانتصار لأمته فتحقق له كلا الحسنيين معاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ