في الذكرى الثانية لاستشهاد سيد المقاومين الأحرار!
د. عدنان منصور*
في الذكرى الثانية لاستشهاد قائد فيلق القدس الشهيد الفريق قاسم سليماني، نستعيد سيرة هذا القائد المقاوم العظيم، الذي جسّد في داخله روح الصمود، والعنفوان، والتحدي، والنضال والمقاومة، في أروع صورها، جعلت منه قيادياً نادراً، فذاً، جسوراً من طراز رفيع.
اختزن الفريق قاسم سليماني في داخله روح الثورة، والقيم الروحانية والمبادئ الإنسانية والمثل العليا، التي سكبت وميّزت شخصيته في تواضعه، وزهده، وأخلاقه، وبسالته، ومقاومته، وعشقه للشهادة.
الحديث عن الشهيد الفريق قاسم سليماني طويل طويل. لكن بسطور وكلمات قليلة، يمكننا القول، إنّ الشهيد كان شخصية عسكرية متميّزة، فكراً، وأداء، وتخطيطاً، وتوجيهاً، وتنفيذاً، وهو يدير العمليات العسكرية في ميادين القتال ببراعة وشجاعة نادرة قلّ نظيرها، شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
بدأ حياته مقاوماً، مناضلاً، جسوراً، على جبهات القتال أثناء الحرب المفروضة على إيران عام 1980، وكان أثناءها قائداً للفيلق 41 “ثأر الله”.
على مدى 22 عاماً، ومنذ عام 1998 وحتى تاريخ استشهاده يوم 3 كانون الثاني عام 2020، كان قائداً لفيلق القدس، والعقل المدبّر له. ينسّق مع قوى المقاومة في المنطقة، مجاهداً، عاملاً بصمت، ممضياً معظم أيام حياته في الظلّ.
كان له دوره البارز في دعم الجيش العربي السوري والعراقي، والحشد الشعبي في مواجهتهم لقوى الإرهاب في العراق وسورية. حيث استطاع بخطته، وتكتيكاته، ودهائه، ومناوراته، وتحركاته الميدانية، وتواجده مع المقاومين في ميادين القتال، أن يقضي على القوى الإرهابية من داعش والنصرة وأخواتها، وأن يفشل أهداف وخطط، وسياسات دول الهيمنة والتسلط الغربية ومعها الكيان “الإسرائيلي”، التي استهدفت أمن واستقرار وسيادة ووحدة دول المنطقة وأمن شعوبها، وأن يقلب الموازين العسكرية في البلدين، وان يقضي على الفصائل الإرهابية، حتى أصبح أسطورة، يردّد اسمه الأحرار والمقاومون في المنطقة والعالم، فيما الحديث يدور عن قاسم سليماني، وعن شجاعته اللافتة، وبطولاته، وإقدامه في ساحات الوغى، لا يهاب الموت، ولا يعرف الخوف، أو التردّد، أو التراجع أو الانهزام. واضعاً على الدوام، نصب عينيه هدفاً واحداً لا غير، النصر ثم النصر. ولا عجب بعد ذلك أن تصفه دوائر خارجية عالمية على أنه أقوى شخصية أمنية في الشرق الأوسط، وأقوى شخصية في الجمهوربة الإسلامية الإيرانية بعد مرشد الثورة.
كان الشهيد الفريق قاسم سليماني ينتمي في فكره، وضميره، وعقله وممارسته الى أمته، مدافعاً عن أرضها وكرامتها، ومبادئها، وحقوق شعوبها وحريتها. متصدّياً بكلّ قوّة وبسالة لقوى العدوان والتسلط والاستبداد، لا سيما لدولة الإرهاب “الإسرائيلية”، وما تشكله من تهديد وخطر دائمين على دول وشعوب المنطقة كلها، وعلى الأمن والاستقرار والسلام فيها.
من هنا كان دعمه الدائم للمقاومة في لبنان وعشقه لفلسطين التي عاشت في وجدانه، وكيانه وعقله وفؤاده.
على مدى أربعين عاماً، وهو في ساحات القتال، ينتقل من جبهة الى أخرى، واضعاً نفسه بين خيارين لا ثالث لهما: إما النصر، واما الشهادة.
لقد شقّ الشهيد قاسم سليماني الطريق لكلّ الأحرار في هذا العالم، ليقول للشعوب المضطهدة، الرازحة تحت نير قوى التسلط والهيمنة والاستبداد، انّ سلامها، وحريتها، وكرامتها، وسيادتها لا تُستجدى، بل تُؤخذ بالقوة والمقاومة ولا شيء غير المقاومة. بها تتحرّر الشعوب وتنتصر، وبها يُزال العدوان والاحتلال ويندحر.
الشهادة التي كان يتمناها القائد الشهيد قاسم سليماني، أرادها ان تكون في ساحة القتال، لكنها جاءت نتيجة جريمة قذرة بشعة، ارتكبها القرصان الأميركي القاتل، بتوجيهات، وأوامر، وضوء أخضر منه، لتنفيذها من خلال عدوان جوي لطيران أميركي مسيّر قرب مطار بغداد، وبالتنسيق مع دولة الإرهاب “الإسرائيلية” التي كشف النقاب عن جريمتها ودورها العدواني يوم 20 كانون الأول عام 2021، الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات “الإسرائيلية” الميجر جنرال تامير هايمن، الذي قال، إنه شهد خلال فترة توليه المنصب عمليتي تصفية مهمتين، قتل في إحداهما سليماني، وفي الأخرى القيادي في حركة الجهاد الاسلامي بهاء أبو العطاء الذي اغتيل في شهر تشرين الأول عام 2019. جريمة اغتيال من الجو طالت الشهيد قاسم سليماني وطالت معه رفيق دربه في النضال والمقاومة الشهيد أبو مهدي المهندس، قائد الحشد الشعبي العراقي. جريمة شنيعة قذرة نكراء، وصفها منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط والخليج في إدارة اوباما، فيليب غوردون، على أنها بمثابة إعلان حرب على إيران. كما اعتبرت الخبيرة الأممية المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة اغليس كالامارد المعنية بالإعدامات خارج نطاق القضاء، أنّ عمل الولايات المتحدة غير قانوني لغياب الأدلة التي تبرّر فعلتها.
سيظلّ الشهيد الفريق قاسم سليماني في ذاكرة شعوب الأمة، أسطورة النضال والمقاومة ضدّ الطغاة، وأيقونة الأحرار، وملهماً لكلّ المناضلين المتطلعين الى التحرّر من نير الطغيان والاستبداد والاستغلال في العالم كله، وكلّ الذين يناضلون من أجل غد مشرق عزيز، يسود فيه الحق والحرية والعدالة وكرامة الانسان.
إنه الشهيد قاسم سليماني، النجم الساطع في سماء أمته، والشهب في عتمة الليالي الذي أضاء الدرب لكلّ مقاوم حر أبي، وهو الشهيد الأسطورة الذي ملأ أمته، وشغل العالم في صولاته وجولاته ومعاركه، سيظلّ في ذاكرة الأجيال، وهي تروي ملحمته،
وتحفظ أقواله، وتقصّ أفعاله، وتنشد سيرته وبطولته. سيبقى الشهيد سليماني ملهم المقاومين في هذه الأمة وشعلتها، لا سيما في فلسطين التي ما غادرت يوماً عقله ووجدانه، كما القدس التي سكنت قلبه ولم تغب ولم تبتعد يوماً عن قلبه وهدفه وضميره.
وصية الشهيد قاسم سليماني ورسالته ستبقى راسخة في عقول ونفوس رفاق دربه، وكلّ الذين تخرّجوا من مدرسته. وسيظلّ الشعلة المضيئة لقوافل المقاومين في مسيرتهم الطويلة، وهم في مواجهة الطغاة، والمستكبرين، والمحتلين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ