الفوضى السياسية والانهيار الاقتصادي وجرس الإنذار
عشية الاستعداد للانتخابات النيابية وما تتكفل به في ظروف طبيعية بارتفاع المشاحنات السياسية واعتماد القوى المتنافسة على لعبة وحيدة مقيتة قوامها الاستثمار على رفع منسوب الخطاب الطائفي وصولاً لحدّ التنابذ العنصري، يواجه لبنان انهياراً اقتصادياً متسارعاً في ظلّ نهج مالي يعتمد على لعبة لحس مبرد تهدف لخفض قيمة الودائع وتدفيع الناس ثمن الأزمة من ودائعها ورواتبها التي باتت تعادل أقلّ من 20% من قيمتها الأصلية، وهذان العاملان يتفاعلان اجتماعياً لضخ المزيد من التوتر الذي لا يلبث ان يصبح امنياً، وشديد الخطورة، فهل يقرع أحد جرس الإنذار لمواجهة الخطر؟
سياسياً تتشظى النواة التي قام عليها تقليدياً استقرار النظام السياسي، فالأغلبية التي انعقدت حول المقاومة، منقسمة على ذاتها بحروب إلغاء عبثية، وليس فيها أحد يتكلم مع أحد، وما عُرف بشبكة الأمان السياسي التي كانت تمثلها علاقة كلّ من الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط برئيس مجلس النواب نبيه بري، قد تمزقت منذ الفيتو السعودي على عودة الرئيس الحريري الى السلطة، واحتمال مغادرته الحلبة السياسية، وتموضع جنبلاط في تحالف انتخابي وسياسي مع القوات اللبنانية تحت المظلة السعودية ذاتها، التي تضغط لمحاصرة ثنائي حركة أمل وحزب الله، ودعوة الحوار التي أطلقها رئيس الجمهورية يصعب ان تتجاوز الفيتو السعودي الذي سيترجمه ثلاثي الحريري وجنبلاط وسمير جعجع بمبرّرات مختلفة وتنفيذاً لرغبة مرجعية موحدة، ولو تجاوز الرئيس بري أزمة الخلاف وقام بتلبية الدعوة كما صرح علناً.
محاور النقاش السائدة تكشف حجم الانقسام والاستقطاب حول قضايا يعتبرها البعض خطيرة وينظر لها سواه بعين التسخيف الشامتة، فهكذا لا يهتمّ فريق كبير من اللبنانيين بتصنيف حزب كبير على لوائح الإرهاب في دول الخليج بقدر اهتماماهم باسترضاء هذه الدول، ولا يهتمّ فريق كبير من اللبنانيين لارتياب وقلق فريق آخر من مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، ويتعامل مع الأمر بعين التسخيف والشماتة ذاتها، وفي المقابل توضع الدورة الاستثنائية لمجلس النواب مقابل انعقاد مجلس الوزراء فيبلغ الانسداد مداه حتى يكتمل طوق التعطيل.
لبنان يشبه سفينة مثقوبة، بلا أشرعة، وبلا قبطان، وكل يدقّ مساميره ليزيد ثقوبها أملاً بأن يغرق خصومه قبله، وما أضافه أدعياء التغيير والثورة الى المشهد حامل إزميل ثقب جديد انطلاقاً من القول انّ إغراق السفينة يمثل أملاً بأن يغرقوا «كلن يعني كلن»، ولو غرق لبنان والشعب اللبناني.