هَوَسُ الشُّهرة وتَهافُت الكتابة
} رضوان هلال فلاحة
إنّ ماهيّة الكتابة أثر الإنسان عبر سيرورته وصيروراته المتراكمة والمتمايزة كمّاً وكيفاً ونوعاً في تضاريس الخارطة المعرفيّة، من علم وفن وفلسفة وميثيولوجيا، وغيرها من المعارف الإنسانيّة، منذ إدراك الإنسان الفطريّ لذاته والآخر، جنساً ونوعاً، إلى تنامي هذا الإدراك وتطوره أفقياً وعمودياً، بالطفرة المُنجَزة تجربة، والمغذّاة بالتواصل النشط غير المنقطع بفجوة التقوقع والتخشّب والانكفاء على الذات. هي النور الكاشف للمستقبل، بحفرنا الأركيولوجي، والبحثيّ المنهجي والمعارفيّ في الماضي، والمستديم نوره إذا ما تتبّعنا إشعاعاته بقبس الحكمة، المُفضي إلى موشوريّة الهرم الإنساني، حيث الكلمة تأخذ بعدها القيمي بالأبيض من النور وألوان طيفه.
إلّا أنّ ما وصل إليه العلم، بعلاقته الجدلية والتفاعلية مع التكنولوجيا، وعلى وجه الخصوص ما قدّمته وسائل الإعلام المرئيّ والإذاعي والورقيّ، ووسائل الإعلام الحديثة، من يُسرٍ لتلقّي المعلومة وإعطائها، وتسليط الضوء على المتفرّد والرائد منها، وما أتى عليه ذلك من إيجابيات. إلّا أنّ الآثار السلبية البيّنة الأثر، في عالم الشابكة الإلكترونية وفضائها الرحب، أفرز حالة مرضيّة تتضافر مع غياب المعنى الحقيقي للكتابة، دافعاً وكتابة ومحمولاً فكرياً، لتكون النتيجة هوساً اضطرابياً للشهرة، يلبس فيه الشكل الكتابي في ما يستسهل منه، أو في ما يوجهه دافع الرغبة، فمن عالم إلى فيلسوف إلى أديب إلى شاعر… وإن تكن الحالة خطرة في الادّعاء الوعر ممّن يفتقرون إلى الثقافة والمعرفة وعوامل الإبداع، فتأخذ بهم مظانّ التوهيم والإيهام، ونزعات التشكّل الهلامي في تداعيات الفراغ، فهي أشدّ خطورة عند من يمتلكون الموهبة والإبداع، أو يمتلكون ذلك إضافة إلى تحقّق المُنجَز، في تلاقي كليهما بالتزاحم المفرِط في عنق الشهرة، الذي خنق آليات الإبداع بين الدافع بمراتب ارتقائه، والغاية بتباين مراميها.
فالشهرة ببُعدها السيكولوجي كنزعة ذاتيّة لإثبات الوجود تبقى في حدود المراهقة المعرفيّة البكر، وفي مساحاتٍ من الافتراض الذي أفرز الاستسهال العبثيّ، وقلق النماء الذي وجد ضالّته في العالم الافتراضيّ، بمظنّة اللااحتكاك الإنساني المباشر، والجدل المعرفيّ المُنجِز للقيمة إنساناً، وفي جدليّة الأثر الإنسانيّ السابق، الذي ننقّب فيه، الدليل الدامغ على أنّ الكلم القيمة يأخذ موشوريّة نوره الإنسانيّ، رغم تعاقب الحقب ووغولها في القِدم، وهو البُعد الحضاريّ لتاريخ الإنسانيّة.
إنّ الكتابة امتلاء بتجاذب تيّارَيّ الحواس وكيمياء العقل، وجدل تأمّلي بالنحن، الضمير الإنساني المتماهي تشظّياً انفعاليّاً بالتجربة… التجربة المعرفيّة، لا البُعد الافتراضيّ للخط الزمنيّ، وإنّ التراكم الكمّي ليس بضرورة الممكن مُنجِزاً للنوع، إنما هي مصادفة الطفرة. هذا بالحالة الصحية النشطة إبداعاً، فكيف بالتراكم القلق استيهامياً، الذي يدور في حدود انفعالات الأنا التي لم تتجاوز في بعض مُعايرات الكتابة تصعيد الدافع لينزوي في انكسارات التقهقر مع الذات، المبتورة العلائقيّة مع القراءة؟! والقراءة هنا ليست قراءة التحصيل، فقراءة التحصيل تُحيل إلى الاستجرار، إنما المُراد قراءة الشيء المُفضي إلى القيمة التوالديّة إنتاشاً من العدم. وحيث أننا بين ثلاثية مُرسِل ومُرسَل إليه ووسيلة الإرسال، بوصلة الضوء من «ميديا» حديثة، أو ورقيّة، أو مرئيّة أو مسموعة، في ما تمثّله وسيلة الإرسال، من دور الأنا الأعلى، الضمير المُتماهي مع النحن، بالانتقائية للقيمة الإبداع.