كازاخستان ليست أوكرانيا فما الذي يجري؟
– سارعت بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية الى تقديم الاضطرابات التي دخلتها كازاخستان، بصفتها انقلاباً على حكم مساند لروسيا يشبه الثورات الملوّنة التي شهدتها أوكرانيا وجورجيا، بصورة متسرّعة أو مدروسة بنية التسويق السياسي، فكازاخستان أكثر تعقيداً ومثلها سائر دول آسيا الوسطى من هذا الاختزال.
– آسيا الوسطى هي المنطقة الواقعة بين حدود روسيا والصين وإيران وتركيا، وتضمّ ما يُعرف بدول الـ “ستان” اي كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجكستان وقرغيزستان، ويضمّ البعض اليها أذربيجان تجاوزاً، وتشكل أوزباكستان أكبرها من حيث عدد السكان حيث تعادل وحدها تقريباً مجموع عدد سكان سائر دول آسيا الوسطى، وتضمّ تقريباً ضعف عدد سكان كازاخستان، التي تشكل الأكبر مساحة والأوفر ثروة والأضخم اقتصاداً بين قريناتها، بمساحة تمثل وحدها 70% من مساحة آسيا الوسطى، وبناتج محلي يمثل 65% من إجمالي الناتج الوطني لكلّ دول آسيا الوسطى، وتتميّز بثرواتها من الغاز والنفط واليورانيوم والذهب.
– تتجاذب دول آسيا الوسطى، وبصورة خاصة كازاخستان، من جهة علاقات حكوماتها الوطيدة بالأميركيين والأوروبيين وبدرجات متفاوتة “الإسرائيليين” الذين يملكون قاعدة عمليات في كازاخستان وأذربيجان، ومن جهة موازية تاريخها وجغرافيتها، فتاريخياً تبدّلت مرجعية آسيا الوسطى بين إيران أيام إمبراطورية بلاد فارس وتركيا في زمن الإمبراطورية العثمانية، وروسيا في زمن الاتحاد السوفياتي، وحفظت من هذا التاريخ تأثيراً لغوياً لا يزال حاضراً، وفي الجغرافيا تقع آسيا الوسطى على حدود هذه الدول المرجعية، أما الصين فكانت تشكل دائماً رئة إقتصادية لدول آسيا الوسطى خصوصاً في المنتجات الزراعية والغذائية قبل ان تصبح السطوة الإستهلاكية في أسواقها للمنتجات الصينية الأخرى، بينما تقول الصين إنّ كازاخستان كانت جزءاً من الصين في العصور الغابرة.
– يأتي انفجار الأزمة في كازاخستان، في لحظة تأزم اقتصادي عام وركود شامل يعيشه العالم تحت وطأة تفشي وباء كورونا، وفي ظلّ رتابة سياسية مثلتها مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومسارعة النخب العسكرية الى تبديل مرجعيتها من الشرق الى الغرب وإمساكها بالسلطة، لكنه يأتي ليؤشر الى مرحلة جديدة عنوانها الحراك الإستراتيجي الذي تشهده آسيا في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، واتساع نفوذ دول الجوار الكازاخي، الصين وروسيا وإيران وتركيا.
– غياب قيادة سياسية حاضرة لقيادة غالبية وطنية كافية لتسلم الحكم، في كازاخستان وغيرها من دول آسيا الوسطى، تبدو المنطقة ذاهبة لموجات من الأزمات، يبدو مبكراً حسم الإتجاه الذي سترسو عليه، لكنه سيكون شديد الأهمية للأمن الإستراتيجي في آسيا الذي توليه روسيا وإيران والصين أهمية عالية، وتنظر اليه واشنطن وتل أبيب بعين القلق على قواعدها القريبة من حدود “الأعداء”.