ظافر الخطيب رائد في مجابهة الخطر الصهيوني والنضال ضدّ النظام الطائفي والهيمنة الاستعمارية…
} حسن حردان
تحلّ ذكرى استشهاد القائد الثوري، مؤسّس رابطة الشغيلة، ظافر أنور الخطيب في 10 كانون الثاني 1976، ولبنان لا يزال يواجه نفس التحديات التي ركز كلّ جهوده الفكرية والنضالية لأجل التصدي لها، وهذه التحديات تتمثل في مجابهة الخطر الصهيوني والتحرر من الهيمنة الاستعمارية.. وإسقاط النظام الطائفي وتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية كمقدّمة لإنجاز التغيير وبلوغ حلم اللبنانيين في بناء دولة المواطنة التي تحقق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية…
لقد كان ظافر مؤمناً بأنّ أحلامه المذكورة، إنما هي أهداف مترابطة بعضها ببعض، فإسقاط النظام الطائفي وإنجاز التغيير في الداخل لا يتحققان من دون بناء مقاومة حقيقية تعمل على تحصين البلاد في مواجهة العدو الصهيوني، وتحرير لبنان من براثن الهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية التي تحمي النظام الطائفي والقوى الطائفية المتحكمة فيه وباللبنانيين، والتي تقف وراء دعم الاعتداءات الصهيونية ضدّ لبنان والهادفة إلى إخضاعه بالكامل للهيمنة الصهيونية الغربية وتحويله الى قاعدة دائمة للتآمر ضدّ الأنظمة التقدمية التحررية العربية وفرض مشروع السيطرة الاستعمارية على كامل المنطقة وتصفية قضية فلسطين…
واليوم تتأكد هذه الحقيقة بالأدلة القاطعة، فما يعاني منه لبنان من أزمات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية إنما هو نتاج سياسات النظام الطائفي والطبقة السياسية المتمسكة به والتي تقف وراء تمكين الإدارة الأميركية وحلفائها في الغرب من التدخل في شؤون لبنان وفرض هيمنتها عليه، والسعي إلى التخلص من المقاومة التي تجرأت على هزيمة العدو الصهيوني وهدّدت منظومة الهيمنة الأميركية الغربية التي يرزح لبنان تحت وطأتها منذ نشأته عام 1943 برعاية المستعمر الفرنسي الذي زرع بذرة الانقسام الطائفي والمذهبي في قلب النظام والمجتمع وبالتالي أفقد لبنان نعمة الاستقرار كلما حاول التحرّر من الهيمنة الاستعمارية.
على انّ حلم ظافر الخطيب في النضال لبناء مقاومة حقيقية تتصدّى للعدو الصهيوني وتعمل على تحرير الأرض وتشكل سنداً حقيقياً للشعب الفلسطيني لأجل تحرير فلسطين.. هذا الحلم تحقق فعلياً، حيث نجحت المقاومة بقيادة حزب الله، بعد نضال شاق وطويل، في تحرير معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال الصهيوني، وحماية لبنان وثرواته من الاعتداءات والأطماع الصهيونية.. ولهذا باتت هذه المقاومة تمثل من ناحية تهديداً وجودياً لكيان العدو الغاصب لأرض فلسطين، باعتراف الصهاينة أنفسهم، ومن ناحية ثانية باتت هذه المقاومة تشكل تهديداً للهيمنة الأميركية الغربية على لبنان وتفرض، من خلال قوتها الشعبية الواسعة وتحالفاتها الوطنية، توازناً داخلياً يمنع إعادة لبنان إلى الزمن الذي كان فيه «قوته في ضعفه»، بعدما كرّست المقاومة معادلة جديدة تتمثل في انّ قوة لبنان إنما تتجسّد في المعادلة الثلاثية الماسية، جيش وشعب ومقاومة…
غير انّ حلم ظافر في التحرر من الهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية وإسقاط النظام الطائفي، فلا يزال يصطدم بوجود قوى سياسية طائفية تمسك بمفاصل النظام الطائفي والقرار الاقتصادي والمالي والقضائي، وتستند إلى دعم القوى الاستعمارية.. التي تشن كلّ أشكال الحرب غير المباشرة وتشدّد الخناق على لبنان اقتصادياً بالتعاون مع القوى الطائفية التابعة لها، بهدف محاولة حصار المقاومة وإضعافها شعبياً وصولاً للنيل منها وإعادة لبنان إلى زمن «قوته في ضعفه»…
إلا أنّ هذه المحاولة، المستمرة، تبوء بالفشل تلو الفشل، بفعل الوعي والقيادة الحكيمة للمقاومة في إدارة المعركة، مما قطع الطريق على كلّ مخططات الفتنة التي تستهدفها، ولهذا دخل المخطط الأميركي الغربي في مأزق، وهو اليوم يراهن على نجاح القوى السياسية الطائفية التابعة له، ومجموعات الانجيؤز المموّلة غربيا في الحصول على الأغلبية النيابية، في الانتخابات النيابية المقبلة، لإعادة إنتاج سلطة تعمل على حصار المقاومة ونزع سلاحها الذي يقلق كيان العدو الصهيوني ويمنعه من العودة لممارسة عربدته واعتداءاته ضدّ لبنان وسرقة ثرواته..
من هنا فإنّ مهمة التحرر من الهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية، وإسقاط النظام الطائفي، الذي ترتكز اليه القوى للاستعمارية في استمرار هيمنتها، إنما هي مهمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعمل على تحقيق حلم ظافر في بناء القوة التغييرية الوطنية العابرة للطوائف القادرة على الإطاحة بالنظام الطائفي وبناء الدولة الوطنية المستقلة المتحررة من كلّ أشكال الهيمنة الاستعمارية، كمقدمة لا بدّ منها لتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والانتماء الوطني الذي يضع حداً للانتماء الطائفي… وما لم يتمّ بناء هذه القوة العابرة للطوائف فإنّ تحقيق كلّ ذلك سيبقى حلماً…