الحقائق في مواجهة الأكاذيب…
} أحمد بهجة*
للرئيس الدكتور سليم الحص مقولة كان يردّدها دائماً مفادها أنّ الكاذب يستطيع خداع كلّ الناس بعض الوقت، ويستطيع خداع بعض الناس كلّ الوقت، لكنه حتماً لا يستطيع خداع كلّ الناس كلّ الوقت».
وقد واجه الرئيس الحص بهذه المقولة كلّ أصحاب حملات الافتراء والكذب الذين تكفّل الزمن بكشف أكاذيبهم على الملأ ووضعهم في مكانهم الحقيقي على الصفحات السوداء من سجلات التاريخ، بينما لا يختلف اثنان على أنّ الرئيس الحص هو «ضمير لبنان»، وأنه استحقّ على مدى الأيام أن يتصدّر الصفحات البيضاء الناصعة كونه المثل والمثال في النزاهة ونظافة الكفّ وبُعد النظر في كلّ السياسات التي اعتمدها، سواء على المستوى الوطني العام أو على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وهي سياسات لو تمّ تطبيقها ولم تحاربها منظومة الفساد السياسي والمالي والإعلامي لكان لبنان اليوم في وضع آخر مختلف كلياً عن الوضع الحالي، بكلّ ما فيه من أزمات ومشاكل متراكمة ومترابطة ومعقدة تحتاج إلى عقول عباقرة وإرادات جبابرة لكي يضعوا لها الحلول المناسبة.
ما حصل مع الرئيس الحص، تكرّر مع الرئيس الدكتور حسان دياب، الذي تلقف كرة النار بعد انفجار الأزمة المالية والاقتصادية في تشرين الأول 2019، وقبِل بتحمّل مسؤولية الإنقاذ بعدما تهرّب منها كثيرون، فإذا بمنظومة الفساد السياسي المالي والإعلامي نفسها تسنّ سكاكينها وتهبّ لشنّ حملة شعواء لمحاربته وتحميله زوراً وبهتاناً المسؤولية عن كلّ ما حصل فيما الكلّ يعرف أنّه أتى بعد الأزمة التي بدأت فعلياً منذ العام 1992، وأنّ أركان منظومة الفساد السياسي والمالي والإعلامي هم الذين تسلّموا السلطة منذ ذلك الوقت واستمرّوا في السلطة حتى يومنا هذا، رغم أنهم تبادلوا الأدوار أكثر من مرة بين موالاة ومعارضة، لكنهم عندما تدقّ ساعة الجدّ يكشفون عن وجوههم الحقيقية ويثبتون أنهم فريق واحد ضدّ أيّ أحد قد ينغّص عليهم فسادهم وسرقاتهم.
تمّ الإعلان عن تشكيل حكومة الرئيس دياب في 21 كانون الثاني 2020، ونالت ثقة مجلس النواب في 11 شباط 2020، وانطلقت مسيرة إعداد الدراسات والخطط الإنقاذية، ومنها ما كان موجوداً منذ زمن لكنه وُضِع في الأدراج لأن لا إرادة إصلاحية لدى من تولّوا رئاسة الحكومة قبل دياب.
وفي اليوم الأخير من شهر نيسان 2020، يوم كان سعر صرف الدولار لا يزال بحدود أربعة آلاف ليرة، تمّ الإعلان عن خطة التعافي التي تعتمد على ستة مكوّنات مالية واقتصادية ومصرفية ونقدية والحماية الاجتماعية والتنموية، كما أعلن الرئيس دياب بعد جلسة مجلس الوزراء في بعبدا يومذاك.
قبل الإعلان عن الخطة كانت الحكومة أحالت إلى المجلس النيابي مشروع قانون الكابيتال كونترول في شباط 2020، الذي ينظم عملية تحويل الأموال إلى الخارج، وذلك بعد تهريب مليارات الدولارات لا سيما خلال الأسبوعين اللذين أقفلت فيهما المصارف بعد 17 تشرين الأول 2019، وقد تمّت لاحقاً معرفة معظم مهرّبي الأموال وبينهم سياسيون ومصرفيون وإعلاميون ورجال دين، لكن مشروع القانون لم يجد طريقه إلى الإقرار في مجلس النواب، بل تمّ سحبه نتيجة التجاذبات السياسية التي لا تزال إلى اليوم تحول دون إقرار الكابيتال كونترول، وهذه أيضاً حال مشروع القانون المتعلق باستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، والموجود في المجلس النيابي منذ كانون الأول 2020، وبالتالي لا تزال عملية إخراج الأموال متاحة لكلّ مَن له حظوة لدى «الحاكم المالي المنفرد» في لبنان رياض سلامة.
ويعرف المتابعون جيداً أنّ صندوق النقد الدولي رحّب بخطة التعافي واعتبرها عملاً إيجابياً على الطريق الصحيح، وعلى أساسها بدأت الحكومة التفاوض مع الصندوق الذي وافق مبدئياً على الرقم الذي حدّدته الحكومة لحجم الخسائر والبالغ 83 مليار دولار، لكن منظومة الفساد إياها (وهي منظومة واسعة ومتشعّبة فيها رؤساء ووزراء ونواب وحاكم وأحزاب ورجال دين وإعلاميون بعضهم برتبة نقباء…) بدأت على الفور بمهاجمة خطة التعافي، حتى من داخل الوفد المفاوض مع الصندوق حيث كان «الحاكم» يتغيّب عن معظم الاجتماعات معلناً صراحة معارضته للخطة، ولقي مؤازرة أساسية من أعضاء بارزين في لجنة المال والموازنة النيابية… كلّ ذلك كان بسبب كيفية توزيع الخسائر حيث سعت الخطة إلى حماية أكثر من 98 من المودعين، وحمّلت الأعباء للمصارف ولمصرف لبنان وللدولة ولبعض كبار المودعين الذين راكموا الثروات الهائلة نتيجة الفوائد العالية جداً التي جنوها على مدى سنوات طويلة من الاستثمار في سندات الخزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية.
هذه المنظومة المقتدِرة والمتجذرة في كلّ مفاصل الدولة استمرّت بوضع العصي في الدواليب لعرقلة المفاوضات مع الصندوق ومنع تنفيذ خطة التعافي وإقرار القوانين اللازمة لفتح الطريق أمام إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد كلّ هذا الخراب الذي تسبّبت به سياسات المنظومة نفسها طيلة أكثر من ثلاثة عقود…
في المقابل كان إصرار من الرئيس حسان دياب على مواصلة مساعي الإنقاذ من خلال خطة التعافي المالي والاقتصادي، والتي لا شيء يحول دون تطويرها وتحديثها كلما دعت الحاجة، لكن دون تطييرها كما حاول الفاسدون أن يفعلوا لأنّ تنفيذ الخطة سيجعلهم يدفعون بعض الثمن سواء من الأموال التي جنوها بالزعبرة والاحتيال، أو من النفوذ الذي سيتقلص وينتهي إذا سارت الدولة على السكة الصحيحة وبالتالي لن يعودوا قادرين على صرف هذا النفوذ للاستمرار في مسار الفساد والإفساد.
بعد كلّ ما تقدّم من حقائق دامغة ووقائع ثابتة يأتي بعض الكاذبين لينالوا من نزاهة ونظافة الرئيس دياب، مثلما حاول أن يفعل المسمّى مع الأسف نقيباً للصحافة اللبنانية عوني الكعكي الذي حاول تغطية السموات بالقبوات بادّعاء أنّ الرئيس دياب هو المسؤول عن تدهور سعر صرف الليرة، كأن صاحب جريدة «الشرق» ومجلة «نادين» لم يسمع عن مؤتمرات باريس 1 و 2 و 3 ولاحقاً مؤتمر «سيدر»، والتي كان كلّ هدفها تعويم الليرة المنهارة ومصرف لبنان المفلس نتيجة سياسات الريع والمضاربات المالية التي لا علاقة لها بالاقتصاد المنتج، وقبل ذلك حين ضمّن فريق الفاسدين إياه موازنة العام 1998 بند الاستدانة بالعملات الأجنبية، ولم يعارض ذلك يومها إلا مَن يشبههم الرئيس دياب وعلى رأسهم الرئيس الدكتور سليم الحص.
وفي سياق الردّ على افتراءات الكعكي لا حاجة للدخول في التفاصيل، حيث تكفي الإشارة إلى ملاحظة واحدة ليتبيّن أنّ كلّ ما ورد فيه هو عبارة عن ادّعاءات كاذبة لا يمكن أن يعيرها العارفون والصادقون أيّ اهتمام… إذ بمجرد كشف الكذبة الأولى يتأكد القارئ أنّ كلّ الباقي ليس سوى كذب وتخريف، حيث أشار الكعكي في مطلع مقاله إلى أنّ القصة كما وصلته هي أنّ وفد صندوق النقد الدولي جاء إلى لبنان مطلع العام 2020…! والكلّ يعلم أنّ حكومة الرئيس دياب لم تكن موجودة في مطلع العام 2020، بل تمّ تشكيلها كما ورد آنفاً في 21 كانون الثاني 2020 ونالت ثقة مجلس النواب في 11 شباط 2020، فكيف يمكن أن يأتي وفد من صندوق النقد الدولي ليفاوض حكومة لم تكن قد تشكلت بعد، أو لم تكن قد نالت الثقة، أو لم تكن قد أعدّت خططها ودراساتها ولم تكن بعد قد وضعت خريطة عملها…؟ّ
هذا لا يحصل إلا في مخيّلات البعض، وفي جيوبهم أيضاً…!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ