فقيدة الأمة تهاني الجبالي
} المحامي عمر زين*
فقدنا زميلة مميّزة علماً ونضالاً وخلقاً ودوداً وصلابة ورصانة في مسيرة كلّ حياتها، والراحلة الكبيرة مناضلة ناصرية جسورة قادت المحامين مع مجلس النقابة المصرية والتي كانت المرأة الأولى فيه، كما كانت المحامية المصرية الأولى ممثلة لنقابة المحامين المصرية في اتحاد المحامين العرب، التي ترأست فيه لجنة النهوض بالمرأة العربية لعدة سنوات ولعبت أدواراً مهمة ضدّ الجهلة والخونة والفاجرين والمنافقين عامةً وكذلك الذين مهمّتهم تعطيل دور الاتحاد بأيّ صورة من الصور، فكنا الى جانبها بالمرصاد لهؤلاء، وأعطت بذلك صورة المرأة الشجاعة في مقاومة الصعاب.
الراحلة العزيزة ناصرية بامتياز، عاملة لتحقيق وحدة الحركة الناصرية بإبعادها عن الشخصانية، ليس في جمهورية مصر العربية فحسب بل على مستوى الأمة، مؤمنة بأن تعمل الاتحادات المهنية العربية بدورها الأساس في قيادة تحرير الأمة والنهوض بها من كبوتها، وترى انّ للشباب العربي الدور الرئيس بذلك.
قادت الراحلة الحملة العربية والعالمية مع الراحل الكبير فاروق أبو عيسى أمين عام اتحاد المحامين العرب فانتصرت للمرأة وعملت ضدّ عنصرية الكيان الصهيوني، وذلك في المؤتمر العالمي للمرأة في بكين، وفي مؤتمر دوربن الأول الذي عُقد في جنوب أفريقيا، وفق خطة علمية وتاريخية وإحصائية لكلّ الارتكابات والجرائم ضدّ الإنسانية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني في فلسطين، فنجحنا باستصدار القرار التاريخي باعتبار هذا الكيان كياناً عنصرياً بعد إسقاط كلّ المحاولات الصهيونية للوقوف بوجه ذلك.
وكانت المغفور لها في اجتماعات المؤتمر العام والمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب البوصلة القومية الصافية بشأن القضايا العربية حيث يصار الى تحديد خارطة الطريق الناضلية للإتحاد للسنوات المقبلة.
ومن أهمّ زيارات الفقيدة الغالية الى لبنان كانت لمناصرة ومقابلة المناضلين الفلسطينيين الذين أبعدتهم سلطات الاحتلال الى مرج الزهور آخر قرية من الجزء الشمالي لقضاء حاصبيا / لبنان، وكنت المشارك الى جانبها بكلّ اعتزاز في هذا الموقف الشجاع، ومن زياراتها أيضاً الى لبنان حضور افتتاح ندوة التواصل الفكري الشبابي العربي في بيروت حيث ألقت في حفل الافتتاح كلمة توجيهية عروبية استراتيجية كان لها التأثير المباشر والإيجابي على أعمال الندوة والمناقشات التي جرت والتوصيات التي صدرت، وكانت واحدة من رائدات الحركة النسائية العربية في كلّ المواقف المناصرة للمرأة العربية ودورها، ودعوناها كضيف شرف لتكريمها في المؤتمر التأسيسي لمنتدى المحاميات العربيات في المنامة البحرين 8-9 يناير 2008 الذي ضم اكثر من 150 محامية عربية، وكان لمشاركتها الفعّالة الأثر الطيب للإضاءة على دور المحاميات العربيات في إرساء العدالة وتقدّم المجتمع العربي وبوضع الخطة الاستراتيجية من أجل ذلك، وما تحدثنا عنه سوى بعض الاشارات الى نشاطات قامت بها وجهوداً بذلتها من أجل قضاية الامة.
والمغفور لها هي أول امرأة مصرية تعيّن في منصب القاضي في مصر، إذ كانت نائباً لرئيس المحكمة الدستورية العليا وذلك في 22 كانون الثاني/ يناير 2003 بقرار جمهوري فكانت لها صولات وجولات في هذه المحكمة، وكذلك في اجتماعات رابطة المجالس الدستورية العربية لما فيه نفعاً للقانون والأمة.
وفي فترة وصول جماعة الاخوان الى حكم مصر كانت الراحلة معروفة بمعارضتها لهم فاستهدفوها بمادة في الدستور عن طريق تخفيض عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 19 قاضياً الى 11 قاضياً، مما جعل المراقبون يطلقون على المادة الدستورية التي أعادت هيكلة المحكمة الدستورية العليا بأنها «مادة عزل تهاني الجبالي».
شاركت الراحلة في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير المجيدة في ميدان التحرير في جمهورية مصر العربية فكانت بين الشباب محركاً رئيسياً في قيادة هذه الثورة.
حصلت الراحلة المستشارة تهاني الجبالي على المركز الأول بين السيدات الأكثر تأثيراً في مصر لعام 2014 بالمناصفة مع الإعلامية ريهام سعيد، وحصلت على هذا المركز منفردة في عام 2015.
منعتنا الجائحة ونحن في لبنان ان نشارك مع عائلتنا في تشييعكِ الى مثواكِ الأخير، تغمّدكِ الله برحمته، وأنزلك منزلة الصدّيقين والابرار، وللأخ والصديق زوجكِ عبد الغفار حنيش والعائلة الكريمة وأنسبائها جميل الصبر والعزاء.