الحوار المجدي بتقديم الحلول للناس!
} علي بدر الدين
لم تكن الفنانة سميرة توفيق تتوقع يوماً أن تدخل أغنيتها الشهيرة «بيع الجمل يا علي واشتري مهرة إلي» في يوميات اللبنانيين، وهي تعرف أنه مصدر رزقه الوحيد ووسيلة تنقله، وأقنعَته وأغرَته كما تقول كلمات الأغنية ببيع النعجة والحمل وكلّ ما يملكه، بذريعة أنّ «كرمها استوى والعنب فيه طاب وحلي، ولا أمل عندها سوى بحبك يا علي»، الذي استجاب لطلبها وباع الجمل والنعجة والحمل وفوقها باع تيابو وكرامتو و»صوتو»، ولم ينل حبة عنب واحدة، ولم تتحقق وعوده وأحلامه وضاع منه كلّ شيء، تماماً كما حصل مع الشعب اللبناني المسكين الذي ضحّى وأعطى وانتخب طبقة سياسية ومالية فاسدة ومرتهنة لمصالحها والخارج، مقابل وعود كاذبة للشعب بأن تعوّضه عن كلّ شيء خسره، وانها تعمل وتسعى لتوفير كلّ مقومات الحياة الكريمة لشعبها وجمهورها وبيئتها، ولكنها أغرقتهم بوحول طائفية ومذهبية ومناطقية وعنصرية وغرائزية وصادرت كلّ حقوقهم ومدّخراتهم بعد ان أغدقت عليهم وعوداً وأرقاماً وفوائد عالية، بالشراكة والتواطؤ مع مصرف لبنان وحاكمه وأصحاب المصارف، ثم كعادتها انقضّت على أموالهم ونهبتها بالكامل ولم تترك لهم شيئاً، ولم ينالوا من بساتينها و»خيراتها» سوى الفقر والجوع والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال والبطالة. ولم يتعلم الشعب أو يتعظ أو يعتبر مما أصابه من هذه الطبقة بسلطتها ومنظوماتها، بل على العكس، يبدو أنه مُصرّ على استمرار ارتهانه وتبعيته لها، وكأنه أدمن «حبها» من طرف واحد ولا يحلو له العيش الذليل من دون سوطها وسطوتها ووجورها، ولا يزال يراهن على أن لا بديل عنها ولا خيار سواها كأنّ «الله خلقها وكسر القالب».
هذه الطبقة رغم كلّ ما ارتكبته واقترفته بحق الوطن والدولة والشعب، لا تزال تراوغ، وتمعن في ممارسة أساليبها وألاعيبها السياسية والطائفية الاحتيالية، مع انها حوّلت البلد الى ساحة محروقة، والدولة إلى جسد من دون روح ورأس، والشعب إلى ما يشبه الدمى التي تكتسب شرعية وجودها من أولياء النعمة والأمر والنهي، يحركونها كيفما ومتى يشاؤون، بعد أن أفقدوها نعمة الإرادة والوعي والحياة والقرار، على مدى ثلاثة عقود ونيّف من الحكم والتحكم والسلطة والتسلط والنفوذ والترهيب والتحاصص، والأكثر مأساوية وكارثية وعلى أبواب الانتخابات النيابية، التي تزخر عادة بالوعود والخدمات والرشاوى لنيل رضى الناخبين، نشهد فعلاً عكسياً، ومزيداً من الضغط الاقتصادي والمالي والنقدي والاجتماعي والمعيشي، على هذا الشعب، وإغراقه أكثر في معاناته وفقره وجوعه ووجعه، ما يثير الريبة والرعب وما تخطط له هذه الطبقة قبل الاستحقاق الانتخابي النيابي، وكأنها تحاول طحن الشعب واخضاعه وإذلاله، وتنويمه في ما بعد، بإعطائه جرعات تخديرية من بعض المال الذي سرقته منه إنْ كان من المصارف أو من خزينة الدولة، أو من متاجرتها بالدولار ورفع سعر صرفه الجنوني السياسي، وليس الاقتصادي وتداعياته على ارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية والمحروقات والدواء، والرغيف الذي فقد عزه على «مآدب» الفقراء.
كما يُقال في الأمثال الشعبية، «هذا كوم والدعوة إلى الحوار في كوم»، أيّ حوار هذا والوطن بكلّ ما فيه وعليه على «كف عفريت» الخطر الوجودي، والاقتصاد انهار كلياً والمالية العامة والخاصة بحالة إفلاس، والخدمات مشلولة ومعطلة ولا أمل أو رجاء منها، والأخطر أنّ الشعب يفقر ويجوع ويمرض، وقد فقد الأمل بالإصلاح والتغيير والمحاسبة، في ظلّ هذه الطبقة السياسية المسؤولة وحدها عما آلت إليه الأوضاع الكارثية في البلد، وهي التي أفسدت ونهبت وتحاصصت وظلمت واستبدّت واحتكرت وأكلت الأخضر واليابس، ودمّرت وخرّبت، فعلى ماذا تتحاور، ومن أجل من، وماذا باستطاعتها ان تقدّم وهل هي قادرة على إحياء العظام وهي رميم، ام تتوقع حصول معجزة وهي أصلاً لا تريدها ولا تتمناها، لأنها راضية تماماً على وضعها السياسي الطائفي والمذهبي والتحاصصي والاقتصادي والمالي، وهل هي بكلّ هذا الغباء حتى «تصلح أوضاع الشعب اللبناني، و»تجيب الدب على كرمها»؟ بل على العكس هي تفتعل المشاكل واختلاق أزمات جديدة ونبش ملفات وإخراجها من طيّ النسيان إلى العلن وتحويلها إلى مشهديات تشدّ من عصب جمهورها وتعيد الغاضب والمعترض والمتأفف إلى «حقيقته» الأولى، وإلى «عِرقه الدسّاس» الذي ولد فيه وتربّى، وشرب حليب غرائزه وعصبياته ونام واستفاق على حب من يعتقد أنه ولي نعمته وعلة وجوده ومعيشته.
يقول فيودور دوستويفسكي «الشياطين هم الذين يتصارعون على الوطن وليس من أجله».