واشنطن… سياسة «حروب الأزمات» إلى أين؟!
} فاديا مطر
مع اقتراب العالم من سياسة العبثية التي باتت تشكل ثلثي واقعه، تتداخل سياسات مهجنة على طريق السياسة الأميركية بإشعال حروب الأزمات لتحصيل الغايات بكافة أنواعها، فمن الأزمة مع الصين التي وصلت حدّ التهديد العسكري، وصولاً الى الأزمة في المنطقة الشرق أوسطية الآسيوية، وليس نهاية بالأزمة مع روسيا وحتى مع بعض حلفاء واشنطن بذاتهم، تدخل أزمة كازاخستان حيّز التطور الدراماتيكي على خط إشعال حرب داخلية وتخطيط انقلاب امتطى لعبة الاحتجاجات الشعبية لتتطور نحو حرب عصابات بحسب تصريحات القيادة الكازاخية، وهنا كان التدخل الروسي السريع عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي المتضمنة خمس دول سوفياتية بالشكل العسكري البحت، فلماذا التدخل العسكري السريع في كازاخستان؟
إنّ تحويل مدينة الماأتا إلى ساحة حرب عصابات ليس من قبيل الصدفة، ولا من نتاج احتجاج شعبي ضد السياسة الاقتصادية الكازاخية، بل هو ركوب ممنهج ومخطط ومفتعل من خارج الحدود تجاه منطقة غاية بالأهمية تجاه الفضاء السوفياتي، وامتداد استراتيجي ذو قيمة كبيرة لجهة العبث فيه بأنامل خارجية معروفة الطريقة قبلاً في احتجاجات أوكرانيا عام 2013، وهو ملف يتزامن مع خسارة واشنطن المدوية في أفغانستان وفتح ملف أوكرانيا مجدداً من قبل الناتو في الحيّز الأوراسي، لكن من غير المسموح روسياً اللعب في الفضاء السوفياتي أو الولوج إلى الحيّز الروسي في الحوض الأوراسي، الذي فرضت موسكو فيه شروطاً وليس مطالب، ربما تحكم أقفالها مفاوضات 10 كانون الثاني الحالي في جنيف، فليس من سياسة تبرّر وجود واشنطن خارج الحدود سوى أعمال الشغب والعنف والانقلابات والعمليات المسلحة والتدويل المتعمّد لبقاء الصوت العالي مدخلاً الى حدائق موسكو والصين وغيرهما، برغم الفشل الكبير لمساعي واشنطن في المعسكر المقابل من سورية الى تايوان الى كازاخستان، بل فكرة الدولة العميقة في واشنطن القائمة على طريقة مسح أيّ نبات «سوفياتي» هي المسيطرة على غرف عمليات الذكاء الأميركية الحالية وتطور روسيا الاتحادية بكل الاتجاهات بات الهاجس المقلق لكلّ المعسكر الغربي، فالعودة الى أزمة «خليج الخنازير» في كوبا ربما تكون السيناريو الأقرب إذا ما استمرت واشنطن بإدارة حروب الأزمات، وربما تكون كازاخستان هي مدخل السياسة القريبة والمتوسطة الأميركية لعودة «الثورات الملونة « كما في سابق عهد دول الاتحاد السوفياتي، وعودة الرئيس بوتين الى «حذاء المنبر» كما في عهد الزعيم السوفييتي «نيكيتا خروشوف» هو ما يحتمل أن يكون الردّ الروسي إذا ما اشتعل حيّز سوفياتي آخر بأنامل خارجية لم تختف منها البصمة الأميركية إن كان بالتلميح أو التصريح، ولو بغير بصمة السياسة الحالية التي تعبث في ترتيب البيت الروسي والصيني كما جرى في سورية واليمن والعراق، لكن الدور الأوروبي ليس بأقلّ تكلفة إذا ما فشلت تلك السياسة الأميركية في إبعاد شبح «الاتحاد السوفياتي» عن معسكر واشنطن، وهو الدور الأكثر تكلفة اقتصادياً وعسكرياً إذا فشلت واشنطن في ضبط حروب الأزمات على الصعيد الروسي أو الصيني، وبحسب مصادر صحيفة «لوموند» الفرنسية الصادرة في 11 كانون الثاني الحالي فإنّ «الأوروبيين غاضبون من استبعادهم من المفاوضات المستقبلية بين روسيا والناتو، وقلقون من نتائج المفاوضات التي ستتمّ تحت ضغط الكرملين»، وهذا بدوره مؤشر على ثانوية الدور الأوروبي الملتحق بالركب الأميركي حتى ولو كان الحزام الرابط استراتيجياً، فهو دور متخلف عن القيمة الأميركية كما حال أيّ حليف، حيث ذات التردي الأوروبي ينعكس على صورة ونظرة العين الروسية وهو الجزء الأكبر خسارةً في وصول موسكو إلى المياه الدافئة في حيّز جيو سياسي مهمّ عسكرياً واقتصادياً يجعل من تدفق مصالح موسكو قيمة متقدمة على دور الاتحاد الأوروبي وما سيكون من نتائج لفقدان الطاقة وخطوطها من تداعيات أوروبية وانحسار للدور الأوروبي وفقدانه حتى القيمة الصغرى على اللائحة الأميركية، فالسياسة التي تفاضل بها واشنطن الحروب الغير مباشرة لن تطول في بلاد «العم سام» ورفاقه، وهي عرضة للخطر المحدق وردّ الفعل في حال تصاعد الدخان الأسود من قمة جنيف، وعندها سيصبح السلم الدولي على محك الاختبار الذي تدسّه «حروب الأزمات» في ثياب التحولات العالمية الجديدة.