أزمة لبنان في خضمّ العراك الدوليّ
نقولا تويني*
المنصّة الدولاريّة جهاز خاص لإزعاج وبهدلة وتنغيص حياة اللبناني وابتزاز الناس في لقمة عيشهم اليوميّة.
التفسير المنطقي لما يجري هو أنّ «إسرائيل» وما لها من وسائل خاصة ماليّة عالميّة وقدرات مصرفيّة للضغط على بلادنا وشعبنا لتجفيف الدولار من السوق تنظر بعين الريبة الى أيّ اتفاق ممكن أن يحصل بين إيران وأميركا حيث إنّ جوّ التوتر الذي خيّم على المنطقة منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. هذا الجوّ بالذات كان له الأثر النافع جداً على الدولة الصهيونيّة منه الهبة الأميركية (مما ليس لها) لأرض سورية في الجولان وتحويل السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف بالقدس «عاصمة إسرائيل» وتوسيع المساعدات العسكرية والاستراتيجية وتسليم عدد كبير من آخر نموذج طائراتF35 والشروع في الضربات على غزة واغتيالات وقتل ودمار مغفورة لهم خطاياهم سلفاً».
تمارس «إسرائيل» الضغط الرخيص على أوجاع اللبنانيين وأخذهم رهينة، وكأنّ لبنان قادر على التأثير على السياسة الإيرانية في لجم مسارها أو كبحها أو تقويضها، ويذكرنا ما تقوم به «إسرائيل» والدوائر الدولية التابعة لهيمنتها بالقصاص الجماعيّ التي يقوم به الجيش «الإسرائيلي» بهدم بيوت ذوي المقاومين الفلسطينيين بعد كلّ عمليّة فدائيّة.
إنّ دولة المنصة العسكرية الغربية، أيّ دولة «إسرائيل»، تعيش معضلّتين… الأولى هي هيمنتها المطلقة العسكرية النووية المهدّدة من البرنامج النووي الإيراني على مجمل الشرق، وليس سراً (إلاّ في الولايات المتحدة) أنّ «إسرائيل» تملك 60 قنبلة نووية من حجم أضعاف قنبلة هيروشيما ولن تسمح لإيران أن تنافسها في مجال الهيمنة العسكرية الإقليمية، وكذلك عليها الكذب والتضليل أمام الغرب والعالم في عدم توقيعها على المعاهدات النووية العالمية. والمعضلّة الثانية هي سياستها الرافضة لحلّ الدولتين التي تلقى إجماعاً دولياً مع متابعة سياسة استيطانية نشطّة في الضفة الغربية ومحيط غزة والجولان كذلك بعدم إعطاء فلسطينيي الضفة والقطاع أيّاً من امتيازات المواطنة أو إشراكهم في مشروع استيطاني لـ «دولة إسرائيل الموّحدة» خشية من الديموغرافية وتضاؤل أعداد اليهود القادمين الى «إسرائيل» وتعاظم الهجرة العكسية الى خارج «إسرائيل» ومن خطورة هذه السياسة على «إسرائيل» ومستوطنيها أولاً إقحام الغرب بالقبول بما لا يمكن القبول فيه في القرن 21 من سياسة عنصرية مفضوحة مجرمة.
إنّ هذه المستوطنات ستسقط كأوراق التين في حالة الانتقاضة الفلسطينية الشاملة ضدّ المحتلّ وستكون المستوطنات أول أهداف الانتفاضة.
من الواضح أنّه في المنظور القريب وضمن التوازنات الشرقية الغربية ليس هنالك من حلّ للمعضلتين التي يعيشهما الكيان واللتين تهدّدان صميم الكيان الصهيوني، إذ إنّ السبيلين يعتبران مخاطرة كيانية كبيرة للكيان والدولة اليهودية، وهي نقيض كيانها في الحالتين لو وحدت الدولة والجغرافيا ولو فصلت الجغرافيا الى دولتين.
ومن أهداف «إسرائيل» المباشرة زيادة الضغط الاقتصادي والمعنوي والردعي على لبنان، حيث تبيّن أنّ الحصار الاقتصادي أقوى وأمضى من الحصار العسكري، علماً أنه لو جرى اتفاق إيراني أميركي أوروبي هنالك خطر كبير أن تقوم «إسرائيل» بمحاولة إفشاله عبر الحرب على لبنان أو على غزة، كما صرّح بذلك رئيس وزراء العدو بالأمس.
أمّا مسؤولية الغرب في ما يحصل في لبنان فلا تخفى على أحد، وكأنّ الغرب تعرّف على حالة الفساد والمفسدين في لبنان للتوّ وليس له يد في تنصيب وتركيب المفسدين على هيكلية بونزي التي صرّح عنها الرئيس الفرنسي، وكأنّ الغرب براء منها ومن تكوينها وحمايتها أو عاجز عن إخمادها لو شاء… والكلّ يعرف أنّ الأموال اللبنانية المهدورة والمسروقة موجودة في حسابات غربية.
في المقابل أميركا ستدخل مجدداً في اتفاق مع إيران، حيث إنّ من مصلحتها كبح التقدم الصيني الروسي على بلد محوري جيواستراتيجي مثل إيران، وكذلك فك التوتر المخيّم على منطقة الخليج ككلّ المنتجة لحوالي 35% من البترول والمشتقات النفطية العالمية، مما يريح التجارة والتبادل ويخفض أسعار السلع والمواد الأولية التي أصبحت باهظة، ناهيك عن أسعار الشحن والنقل البحري التي تضاعفت مرات عدة مما كبح الاقتصاد الغربي ككلّ لمصلحة اقتصاديات الدول الشرقية وكذلك عدم قدرة أميركا بمتابعة سياسة التوسع والإسراف في ميزانيتها الدفاعية بفعل الأزمة الصحية الاقتصادية الحادة وبفعل قرارات الحكومة الأميركية في ضخ أكثر من 3 تريليونات دولار في الاقتصاد بغية تحريك العجلة الإنتاجية، والانسحاب المفاجئ من أفغانستان خير دليل على التغيير في السياسات الأميركية الشرق آسيوية، و»إسرائيل» على علم بهذه التغييرات الكبيرة وتعلم أنّ دورها آتٍ في التخفيضات الأميركية الاستراتيجية وتعمل بشتى الوسائل على عرقلة مسار تنفيذها بما يُتاح لها من فرص ولو جنونية وغير متوقعة، حيث إنّ الكيان في عين الأميركي والسياسة الأميركية في مأزق يرفض حلّ الدولتين الذي تحبّذه أميركا وأوروبا، ويرفض أيضاً حلّ الدولة الواحدة ان يعترف بحقوق المواطنة (ولو حقوق ناقصة ومجحفة) فقط لعرب 1948، ولا يعترف بحقوق المواطنة لفلسطينيّي غزة والضفة، حيث تسيطر عصابات الدولة الصهيونية من مستوطنين والجيش والأمن «الإسرائيلي»، ولم تتمكن أيّ حكومة «إسرائيلية» حتى الآن من إيجاد حلّ لهذه المعضّلة الوجودية العميقة وكيفية صرفها دولياً وغربياً عند حلفائها العطوفين وتبقى «إسرائيل» محور توترات وحروب الشرق العربي منذ تأسيسها حتى اليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ