الرفيق فؤاد خليفة… شاعراً وأديباً
الرفيق فؤاد رشيد خليفة عرفناه ينتسب إلى عائلة قومية إجتماعية، عرفناه أيضاً رئيساً للجامعة اللبنانية الثقافية في ليبيريا، منفذاً للحزب فيها وفي الغرب، كما عرفناه رجل أعمال ناجحاً، وإلى ذلك كله رفيقاً مؤمناً بالنهضة، مناقبياً صادقاً في التزامه وعميقاً في وعيه القومي الاجتماعي.
كل هذا عرفناه عن الرفيق فؤاد خليفة، إنما لم نعرفه شاعراً تخرج قصائده من أعماق وجدانه.
عن الرفيق فؤاد خليفة يجدر أن نحكي الكثير ومثله عن أصدقاء عمره: الأمناء الراحلون فؤاد صعب، حسن ريدان، رشيد رسامني، عادل شجاع، وعن كثير من الرفقاء منهم سامي حرب وتوفيق رافع حمدان.
عام 2006 أصدر الرفيق فؤاد خليفة ديوانه الشعري «خواطر على طريق العمر» الغهداء «الى التي شاركته حلو الحياة ومرّها»، زوجته نادية، والمقدمة، لصديقه ورفيقه الأمين عادل شجاع.
بنشرنا المقدمة التي قدم بها الأمين عادل شجاع الكتاب، نضيء على رفيق كان له حضوره المشعّ في ليبيريا وفي الوطن واستمرّ على مضاء إيمانه والتزامه بالنهضة حتى آخر زفرة من حياته.
ما لنا لا ندوّن أسماءنا
كلنا راحل
كلّ واحد منا له قبره في الطريق (غسان مطر)
كثيرون هم الذين يهرعون إلى تدوين أسمائهم على صفحات اللحظة الحاضرة. كلّ واحد منهم يحاول أن يستمهل الرحيل وأن يستبعد ساعة المثول بين يدي القبر.
لكن الذين يترجمون الرحيل بقاءً يتجاوز حدود العمر ويشيِّدون فوق فوهة القبر جسراً للعبور ليسوا بكثيرين. أولئك هم الفلاسفة والعلماء والفنانون والأدباء والشعراء، من بين هؤلاء الأديب والشاعر فؤاد رشيد خليفة.
في هذا الكتاب يزفّ المؤلف إلى فكرنا ومضات من فكره ويهدي إلى أرواحنا نفحات من روحه، ينثرها جميعاً صوراً نابضة بالحياة تتماهى أحياناً في الرقة واللطافة والصفاء حتى تخالها نسيمات عليلات تلامس إحساسك المرهف. وتفاجئك أحياناً أخرى بالتطرف والثورة والقسوة حتى نخالها بركاناً ثائراً يقذف حممه في كلّ اتجاه، أو عاصفة تقتلع وتجرف إلى الهاوية كل سخافة وكل سخيف.
عمارة الكتاب لها نوافذ وشرفات. نوافذها مشرعة على الفرح والحزن والحب والجمال، وشرفاتها مطلةٌ على رؤى وطنية المنشأ إنسانية الأبعاد.
– الحزن لديه إن طغى يعصف في الأعماق ألماً يمزق الأحشاء ويطفو على السطح أبياتاً من الشعر تبكي فقدان أم أو أخ أو صديق، لكن حزنه لا يعطل تفاؤل الإرادة لديه وآلامه لا تحجب فرح الحياة عن رؤاه، فلنرافقه في رثاء والدته وهو يضمّ أجزاء تلك المفارقة بعضاً إلى بعض ويقدّمها لنا لوحة رائعة الجمال. سر جمالها يفوح من تكاملها.
أمام ذكراك الحبيبة صحوة تجلو شحوبي
|
وتكاد تبعث في الفؤاد مسرّة الفرح الكئيب
|
ذكــراك ذكــــــرى الطيـــب
|
يعبـــق فـي الظنــون وفي الدروب
|
صـــدقت نــواميس الحيــــاة
|
فــي عــدل جـوهرهــــا الأريب
|
دفـــن الربيــــع بــــذوره
|
السمحـــاء فـي السفــح الــرطيب
|
وسترجعيـــــن براعمــــــاً
|
تزهــــو علــى أمـــلٍ خصيـب
|
– والفرح لديه حين يزهو يعكس في زهوه روعة الربيع فلنقرأ ذلك في قصيدته بعنوان (الربيع).
دفؤه نشوة تطوِّف في الأرض وهزج الغابات صوت بشيره
أنت صيف سعيره نسمات تتهادى وروحــه في عبيــره
أنت أنت الشتاء أرشده نوح الليالـي إلى مقــر سـروره
أنت في عالم الزهور أريج أنت في القلب خفقةٌ من حبـوره
وكؤوس الشقيق يترعها الفجر دهاقـاً بدفقة من عطـوره
ويهز النسيم مبخرة الزهر ويرتدي وشــاح بخـــوره
– والحب لديه متى خطر في البال يؤجج في القلب نار الحيرة والغيرة ويفجر ينابيع العطاء كما في توجهه بالنصح لإحدى الحسناوات حيث يقول:
لا تسدلي من فوق وجهك برقعـاً
|
إني أخاف عليه من أن يخرق
|
فالشمس إن حجب الغمام ضياءها
|
فيهـا تفرّس من أراد وحدقَ
|
– واقرأه في وصف مشاعر صبية مراهقة حيث يقول:
أضيق بنصح يعد خطاي
|
وامقت قولاً حكيمــاً رصين
|
إذا بحـت بالحب همساً
|
فما يضير كذا شذى الياسمين
|
– واصغِ اليه وهو يحكي قصته الموجعة مع الضياع حيث يقول:
ما كنت أحسب هكذا تقسو
|
فكان ما كان لنـا الأمسُ
|
أنا بعد هجرك هدّني سـأم
|
حامت عليَّ طيوفه الخرسُ
|
فإذا شربت الوهم كأس هوى
|
ايطيب بعد حبابهـا كأسُ
|
– وأوسعه في قصيدةٍ له بعنوان (بعلبك)، حيث ينفخ الحياة في الحجارة الصماء:
ما بعلبك سوى تجسد فكــرة
|
صبغت بقاء الكون من الوانها
|
خفق النبوغ بصدرها حتى مشى
|
في صلدة الأحجار خفق جنانها
|
لمس الحجارَ الفنُ فارتعشت به
|
روح ترى الابداع في ايمانها
|
ما كنت أرجو أن أرى زمناً مضى
|
فإذا الزمان يطل من أركانها
|
– وعلى مشارف رؤاه يرسم وطناً يعتز بأصالة شعبه العريق ويفخر بعطاءات أبنائه المبدعين ويرفض التكلف والتزلف، ويسفَّه وصولية المتزلفين:
أمتي كم غـاب عنك بطل
|
وادعـاك ضالـع فـي الكذب
|
هوذا العيد خمور فاشربي
|
وأحاديث هــوان فاسهبـي
|
أدب التدجيـل إن تتقـن
|
في موقف التبجيل سوء الادب
|
– وحسه الوطني المرهف يتجلى في مقطوعات شعرية ونثرية إرادةً صلبة وروحاً وثَّابةً.
في إحدى قصائده بعنوان (ارنون) يمجَّد روح التحدي ويهاجم الظلم والظالمين حيث يقول:
أرنون يا شعلـة شدت عزائمنـا
|
من وهج نور على اسلاكها اشتعل
|
جاء الاباة إلى الساحات واقتحموا
|
معاقــل الظلم لا سلماً ولا دجلا
|
– وفي رثائه الشاعر إلياس أبو شبكة يضفي على الخلود معنّى جديداً ذا عمق فلسفي وأبعاد إنسانية حيث يقول:
فاخلد الان في كيان محبيك
|
خلود الانسان بالانسـان
|
– وفي مقطوعاته النثرية يتناول كارثة «قانا الجليل» وعودة جزين إلى حضن الوطن ولجوء الاسرائيليين إلى خديعة «الحزام الامني»، استشهاد الرفيق سعيد فخر الدين في معركة استقلال لبنان.
أما حسه الانساني المرهف وتطلعاته إلى مستقبل مشرق لبني الانسان فهذه كلها تتجلى في مقطوعات نثرية أخرى مثل «صراع العقل» و»صلاة الوداع» و»الرؤية الطموحة».
وأخيراً لا بد من الاشارة إلى إنتماء المؤلف إلى مدرسة سعاده الفكرية التي تنعكس قيمها الاخلاقية والانسانية ومفاهيمها الوطنية في الكثير من قصائده وكتاباته وتتجلى نزوعاً صارخاً إلى إعلاء صوت الحق وتتبدى نضالاً يصارع الباطل، وإيماناً بالوطن أماً ومآلاً للإنسان وبالعقل شرعاً أعلى يستنير بألق الماضي ليرسم في الحاضر مساراً للمستقبل يليق بإنسانية الانسان.
wتوفي الرفيق فؤاد خليفة في 16 شباط 2007 وأقيمت الصلاة عن نفسه في 17 شباط ونقل جثمانه الى مسقط رأسه عين عنوب حيث ووري الثرى…