كازاخستان واضطرابات المحيط الإقليمي لروسيا
} ربا يوسف شاهين
تعدّ دولة كازاخستان من أكبر الدول الإسلامية في وسط أسيا، وهي من الدول الأوراسية الهامة جداً على المستوى الاقتصادي من حيث الغاز والنفط، وعلى الرغم من تسميتها بالدولة الحبيسة لافتقارها الى الحدود المائية المفتوحة، إلا أنها تشكل لموقعها، بالنسبة لمحيطها الجغرافي، وتحديداً الصين وروسيا الاتحادية، الأهمية الكبرى للأمن الحدودي، من هنا بات واضحاً إلى حدٍّ ما، أنّ موقع كازاخستان، يشكل أرضية خصبة للأجندة الأميركية، لجهة الضغط على روسيا وسياساتها الإقليمية أولاً، وإيصال رسائل إلى الصين وإيران ثانياً.
ضمن هذا الإطار، تعتبر الاحتجاجات في كازاخستان، التي وقعت منذ بداية العام 2022، مصدر قلق لدول الجوار، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، عبر استجابتهما الفورية لطلب الرئيس الكازاخستاني، قاسم جومارت توكاييف، حين ناشد دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تقديم المساعدة لبلاده قائلا «هناك عصابات إرهابية في الخارج وينبغي اعتبار هجومها عملا عدوانيا».
وفي السادس من كانون الثاني/ يناير، تمّ إرسال قوات حفظ النظام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وفي العاشر من هذا الشهر، أعلنت لجنة الأمن القومي في كازاخستان بأنّ الوضع تحت السيطرة، وبأنه تمّ تحييد البؤر الإرهابية، فيما أعلن الرئيس الكازاخي أنّ انسحاب وحدات حفظ النظام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي سيبدأ في غضون يومين، ولن يستغرق ذلك أكثر من 10 أيام.
تعمّقاً في أحداث كازاخستان، وعن أسباب الاضطرابات فيها، وتأثيرها على الدول الأوراسية ووسط آسيا وحتى غربها، نجد ما يلي:
أولاً: على ما يبدو تتمّ معاقبة مدينة نور سلطان على مهامها لجهة استضافة من يخالفون السياسة الأميركية في سورية، خلال الحرب الإرهابية عليها، وذلك بواسطة مجموعة من الإرهابيين، في محاولة لإعادة الثورات الملوّنة، ومعاقبة روسيا والصين أمنياً، ومعاقبة كازاخستان لفكرة رئيسها السابق نور سلطان نزار باييف على فكرة إنشاء «الاتحاد الأوراسي».
ثانياً: محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في رابطة الدول المستقلة الكومنولث في «مينسك»، والذي يضمّ كلّ من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا ومولدوفا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وتركمانستان واوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان.
ثالثاً: القلق الأميركي من تعاظم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والعمل على تفكيكه مخافة توسيعه وانضمام المجموعة الاقتصادية الآسيوية والأوروبية ومجموعة الدول المستقلة إليه.
رابعاً: إفشال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والاتحاد الجمركي للدول الأوراسية السابقة الذكر، لإمكانية التخطيط لإنشاء عملة موحدة تؤثر على الأهمية الأميركية على الساحة السياسية.
خامساً: الضغط على الصين المنافس الاقتصادي الأكبر لواشنطن عبر الملف الكازاخستاني، وأيضاً الروسي، بطلبها سحب قواتهم من كازاخستان.
سادساً: إدخال الجمهورية الكازاخستانية في فوضى «الثورات الملونة» الأميركية الصنع، لإيقاف التعاملات التجارية والاقتصادية ما بين الصين وكازاخستان، وأيضاً روسيا وكازاخستان.
في المحصلة، ما يجري في وسط آسيا، وتحديداً في المناطق التي تعدّ مهمة لكلّ من روسيا والصين، ما هي إلا محاولات من قوى خارجية لاستغلال الثغرات الداخلية لكازاخستان، لجرها إلى حرب تدفع ثمنها كازاخستان أولاً، والمقصود بها روسيا عبر طرق غير مباشرة، في محاولة لليّ أيدي موسكو وبكين وتشتيتهما في عدة قضايا، لكن دائماً ما تكون روسيا متقدمة لخطوة استراتيجية على الولايات المتحدة، الأمر الذي تُرجم استجابة سريعة للتعامل مع أحداث كازاخستان، وإبطال مفعول القنبلة الأميركية بشقيها السياسي والاقتصادي، في دول جوار روسيا.