مقالات وآراء

هل تكون الانتخابات النيابية بداية الخلاص؟

} علي بدر الدين

يُحكى أنّ رجلاً قصد جحا يشكو له وضعه، سأله جحا ما هي مشكلتك، أجابه أسكن وأولادي الستة وزوجتي ووالدتي وحماتي في غرفة واحدة، فماذا أفعل؟ فقال له «الحكيم» جحا، أنصحك بأن تشتري حماراً ليقيم معكم في الغرفة، وتعود بعد يومين لتخبرني ماذا حصل، فعلاً عاد الرجل إلى جحا وأخبره أنّ الأمر إزداد سوءاً، فأشار عليه هذه المرة أن يشتري خروفاً، ويضمّه إلى المجموعة، ثم يخبره بالنتيجة، عاد الرجل إلى جحا وأبلغه أنّ الوضع لم يعد يطاق في الغرفة، «فوجئ» جحا بالخبر، و«صفن» قليلاً وقال له: لا خيار أمامك سوى أن تشتري دجاجة وتضمّها إلى المجموعة، صدّق الرجل «المعتر» استشارة جحا واشترى الدجاجة، فإزداد الأمر تعقيداً وتأزماً ودبّت الفوضى وضاق المكان، وعاد إلى جحا يشكو له ما آلت اليه أحواله وقد تدفعه إلى الانتحار، فاقترح عليه جحا بأن يبيع الحمار ففعل، ثم سأله عن حال سكان الغرفة، فأجابه الرجل أفضل من السابق، فأشار عليه ببيع الخروف فاستجاب، ورأى تحسّناً في الوضع، ما شجع جحا على الطلب منه بأن يبيع الدجاجة ثم إخباره بالنتيجة، وبعد يومين أبلغ الرجل جحا أن الوضع عاد إلى طبيعته وكلّ شيء على أفضل ما يرام.

هذا ما يحصل تماماً في لبنان، في ظلّ تحكم الطبقة السياسية والمالية، وتعاقب عهودها وحكوماتها وسلطاتها وسلوكياتها وسياساتها، منذ ثلاثة عقود متتالية ونيّف، حيث واجهت أزمات الوطن ومشكلاته، وشكاوى المواطنين من الفقر والجوع والبطالة وسوء الخدمات وانعدامها، وانهيار العملة والاقتصاد و«تسيّد» مافيات السلطة والفساد والتحاصص والسطو على المال العام والخاص، وتغوّل تجار الجشع والطمع والاحتكار والسوق السوداء، بمزيد من القرارات العشوائية والإجراءات الاحتيالية، وتراكم الأزمات وركنها في «الجوارير» أو تأجيلها وترحيلها، الى حين الحاجة اليها، وبما يخدم مصالحها وحصصها ونفوذها وصراعاتها واختلافاتها مع شركائها في السلطة، حتى «بلغ السيل الزبى»، وأصبحت الأوضاع في لبنان على كلّ الصعد والمستويات لا تطاق ولا تحتمل، خاصة أنها نجحت بإغراق الشعب اللبناني، في الفقر والأزمات والبطالة ووحول الطائفية والمذهبية والمناطقية، وقدّمت له كلّ هذه العقود، السمّ في دسم وعودها وكلامها المعسول وشعاراتها المزيفة وخطابات التعبئة والتحريض والكراهية والأحقاد، وقد حصدت «خيراً وفيراً» ومنافع جمة من تخدير الشعب اللبناني «العظيم» وتحييده وإبطال مفاعيله وتأثيره وقراره في مجريات الأحداث التي تطاله وتعنيه مباشرة، وكأنه غير معني وليس هو المستهدف بحاضره ومستقبله ومعيشته وكلّ وجوده، فنام نومة أهل الكهف، واستفاق على ماض مجهول وواقع لا يمتّ إليه بصلة، وعبثاً يحاول تجميع قواه المعطلة بفعل الزمن الغابر والصمت المريب والتبعية العمياء ولكن من دون طائل، لأنه ترك الحلبة لقوى سياسية ومالية وطائفية ومذهبية «تتصارع» على السلطة والنفوذ والمال والاقتصاد وتقاسم الحصص، والشعب يكتفي بالتفرّج والتصفيق ورفع «المنتصر» على الأكفّ والأكتاف وافتدائه بالروح والدم مكافأة له فوزه في قصب السبق بسرقة حقوق الناس ولقمة عيشهم وإفقارهم وتجويعهم وإذلالهم.

 الطبقة السياسية بالجملة والمفرّق تمثل نصائح جحا للرجل الذي جاءه شاكياً وضعه المزري، كما تشبه إلى حدّ كبير «مشورة حصيرم على العرب» التي سبّبت لهم خسائر كبيرة في الأرزاق والموارد، لأنّ هذه الطبقة بمكوناتها ومنظومتها قديمها وجديدها، راكمت الأزمات والمشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية على الناس، ورفعت من منسوبها حتى فاقت حمولتها طاقاتهم وقدراتهم على التحمّل والصبر، وأسقطتهم بالضربات المتتالية من دون أن يرفّ لها جفن أو ترأف بهم، وبعد أن أفسدت ونهبت وظلمت واستبدّت وتحاصصت وضيّقت عليهم حياتهم ومعيشتهم وأعمالهم، ولفّت أحزمة الشقاء والحرمان والإهمال والقهر والذلّ على أعناقهم وكادت أن تخنقهم، مستوحية أفعالها من مدرسة جحا، عادت وطلبت منهم شدّ الأحزمة والتقنين في الغذاء والدواء والاستشفاء والكهرباء والماء والتعليم والرغيف، وعدم الإفراط في المحروقات والتقليل من أكل اللحوم الحمراء والبيضاء، وهي كفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها وطبيعتها وحتماً سيكون الشعب راضياً وشاكراً لها نصائحها ومعروفها، وقد يدعو لها بـ «طول العمر ودوام الصحة» على صنيعها وقراراتها الجريئة، التي «تكرّمت» بها وأدّت الى انخفاض سعر صرف الدولار، بعد ان بلغ ٣٣ ألف ليرة، وإلى قرار معاودة مجلس الوزراء لعقد جلساته المعلقة منذ ما يقارب الشهرين، ولكن بانتظار وصول تقرير الموازنة العامة إليه. والله أعلم متى تنجزه وزارة المالية وترسله إلى الحكومة،

المهم أن يقطف اللبنانيون بعضاً من الثمر الذي سيتساقط كالمطر، وألا يبقى لبنان على الهامش يتلقى الضربات ويدفع شعبه الأثمان، خاصة أنه محكوم من طبقة سياسية فاسدة ومرتهنة لمصالحها وللخارج، ولم يعد وارداً الوثوق بها أو الركون إليها، مهما أقسمت ووعدت، لأنها مجرّبة وممتحنة، ومن الخطأ الفادح والقاتل أن يصدقها الشعب اللبناني، لأنه إذا فعل ذلك، مجدداً ولم يتعظ ويتعلم ويأخذ العبر والدروس مما هو فيه اليوم، من فقر وجوع ووجع وذلّ وبطالة وحرمان وغلاء، فإنه هذه المرة يحفر قبره بيده، ولا يستحق الحياة، لا سيما أنه امام فرصة قد لا تتكرّر للانتقام من الطبقة السياسية في صناديق الاقتراع من دون عناء او مشقة او كلفة، ولفظها بمعظمها او بعضها على الأقلّ من الحياة السياسية، وقد آن أوان انطلاق بداية التغيير والخلاص من جحا العصر. ومن الخطأ والخطر في آن، ان يثق مجدّداً بأيّ كلمة او وعد منها، لأنّ «بعض الوعود خيبات مؤجّلة لا يمكن أن نثق بها كثيراً» وفق قول الشيخ عباس حرب العاملي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى