هستيريا الدولار…
} منجد شريف
تعيش البلاد حالاً من الشلل لا مثيل له، فكلّ شيء مؤجل لاعتبارات خارجية دولية وإقليمية، والثابت الوحيد هو الدولار وصعوده الهستيري المستتر بمنصات مشبوهة، ثمّ هبوطه المعلن بفعل قرارات وتعاميم للمصرف المركزي، كلّ ذلك لا يعكس حقيقة الواقع بقدر ما يعكس ما يُراد من ألم يلحق بكلّ اللبنانيين، مما جعلنا في تصنيف إحدى الجمعيات من البلدان الأكثر فقراً، وفصلت انّ هناك ٨٠٪ من اللبنانيين تحت خط الفقر و٢٠٪ يعانون فقراً مدقعاً.
أمام كلّ تلك الأحداث وعوضاً عن أن تلتقي الإرادات الوطنية على مختلف مشاريها وانتماءاتها، ما زالت تتجاذب وتتشاكس وتعلي السقوف في المطالب والمطالب المعاكسة، فكأنّ قدرنا كلبنانيين أن نستنسخ أحداثنا، فما نواجهه اليوم مرَّ ما يشبهه منذ الاستقلال وحتى الأمس، وكأنّ صعود الدولار وفقدان العملة لـ ٩٠٪ من قيمتها أمر بسيط لا يستحق الاهتمام، وشحذ الهمم والإرادات لابتكار الحلول وفرملة الانهيار وتثبيته!
مرت الليرة بانتكاسات عديدة، كان أبرزها عام ١٩٩٢، عندما بلغت حدّ الـ ٢٩٠٠ ليرة وقد استقالت حكومة الرئيس عمر كرامي، ليتبيّن لاحقاً أنّ صعوده وانخفاضه كان لغاية معينة، من أجل الإتيان بالرئيس رفيق الحريري الى الرئاسة الثالثة، وكذلك تحقيق بعض الأرباح بعدما تمّ شراء الدولار على الحدّ الأدنى وبيعه على الحدّ الأقصى. وقد كانت تلك الحادثة دليلاً على أنّ سيف الدولار جاهز لتسليطه وفق ما تقتضيه الضرورات الخارجية مع هامش تحقيق الأرباح على حساب أموال المودعين، وتسكينهم بإبر تخديرية.
وما نواجهه اليوم نسخة مطوّرة عن العام ١٩٩٢، بفارق أنّ المصرف المركزي سلم دوره في تحديد سعر الصرف ليصبح في أيدي بعض المنصات المشبوهة، والتي توصلت الجهات القضائية كما صرّح القاضي المالي علي إبراهيم في مقابلة له على إذاعة «صوت الشعب» بالأمس الى معرفة مكان اثنتين منهما… واحدة في إدلب ـ سورية، والأخرى في تركيا، وقد سطر المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات استنابة قضائية وأرسلها الى أميركا من أجل إلغاء تلك المنصات، ولم يلقَ الردّ عليها بعد وقد مرّ عليه زهاء الشهر.
قد تكون السيطرة على المنصات ليست الحلّ الأمثل، لكنه حلّ جزئي للتحكم بالصعود الجنوني والانخفاض الطفيف، فمن يحركون تلك المنصات ليسوا هواةً بل أشخاص مدرّبون ويعلمون ماذا يفعلون تماماً، فاستمرار صعود الدولار لم يكن ليحصل لولا تلك المنصات المشبوهة، لأننا في سوق معوّم وبالتالي لو كانت السيطرة على تسعيرة الدولار للمصرف المركزي لاستقرّت لأجل كبير في معدلات منخفضة، لأنّ الغالبية من اللبنانيين يحصلون على الدولار من تحويلات المغتربين، يُضاف إليها ما تمّ الاحتفاظ به في المنازل عند بداية الأزمة، فضلاً عما تقدّمه المصارف من خلال التعاميم، إلا أنّ من يراقب يلاحظ انّ تلك المنصات هي من أوصل الدولار الى معدلات خيالية، وهدفها الانهيار الاقتصادي التامّ والقضاء على العملة الوطنية، مع ما يرافق ذلك من احتمالات حصول خضات أمنية وفوضى اجتماعية تلحق بالفوضى المالية، وتكرّس حال الفوضى السياسية، فهل يجوز لدولة في عز انهيارها أن لا تجتمع حكومتها كي تضع الحلول اللازمة من أجل وقف النزف والانهيار!؟
لننتظر اجتماع الحكومة الأسبوع المقبل لمعرفة ما قد تفعله إزاء هذه الأزمات المتراكمة، لعلّ وعسى…