أميركا في صراع داخلي على ديمقراطيتها وفي حرب وشيكة مع حلفاء العالم الجديد…
} علي عباس حمية
قبل حلول استحقاق انتخابات الرئاسة الأميركية عام ٢٠٢٣-٢٠٢٤، وامتداد الخلافات المؤجلة إلى وقت الانتخابات بين جماهير الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتصاعد الكراهية والعنصرية، وتكريس دونالد ترامب بحلة جديدة على أميركا، لم تعهدها منذ عهد ابراهام لينكولن، كزعيم أميركا من خلال الحزب الجمهوري، وكأنّ معارك الشمال والجنوب ومعركة تحرير العبيد تعود بشكل عصري، وهو (أيّ ترامب) يستعدّ لخوض معركة الرئاسة من جديد ومن باب زعامة عنصرية تتفوّق على أفكار هتلر بالتفوق العرقي، مع العلم انه لم يعترف بعد بالهزيمة ويصرّ على انّ نتائج الانتخابات السابقة مزوّرة التي فاز بها الرئيس بايدن، ومع تصاعد حجم الديون وانخفاض الناتج القومي والركود الاقتصادي الأصعب من ٢٠٠٨، بالإضافة الى التفلت الأمني المتزايد والتخبّط بالسياسة الداخلية والتي تجعل من الديمقراطية الأميركية عرضة للانتهاك وربما للهلاك.
بدأت الهيبة الأميركية الداخلية بالتراجع شيئاً فشيئاً جراء التوقد الداخلي إضافة الى كورونا وأخواتها وما نتج عنها، طبعاً ما زالت تلك الجائحة تؤثر على العالم أجمع، إلا أنّ هذا الوباء ضمن دول الصف الأول عالمياً قد أثر اقتصادياً بشكل أكبر على الولايات المتحدة الأميركية نظراً لانغماسها بالحروب في كلّ أصقاع الأرض.
وعليه، فإنّ الوضع الداخلي بمستقبله المهزوز يجعل من السياسة الأميركية الخارجية أيضاً تتخبّط كما هو ظاهر، إلا إذا كانت تخبّئ مخططات ومؤامرات لم نكتشفها بعد، كما أنهم بوضوح يتهاوون حالياً أمام عمالقة آسيا ولو نسبياً.
وبالتالي، وقبل حلول موسم المضاربات الانتخابية وانفضاح الضعف أو العجز الداخلي الأميركي الذي يهدد كيانها كأقوى قوة اقتصادية، عسكرية وسياسية في العالم، لا بدّ للولايات المتحدة من القيام باستكمال الحروب الاستباقية التطويقية ضدّ روسيا والصين وإيران، حيث سبق وطوّقت إيران باحتلال أفغانستان والعراق وافتعال أزمة أذربيجان، وقبلها محاولة الانقلاب في تركيا، بالإضافة الى وجود الاسطول الخامس في البحرين وقواعدها المنتشرة في دول الخليج، كما حاصرتها بجعلها لدى جيرانها هي العدو بدلاً من «إسرائيل»، إلا أنها تغازلها حالياً بمفاوضات فيينا بخصوص رفع العقوبات والملف النووي لإبعادها آنياً نظراً للتكتيك القابل للتأجيل، ومستعدة أميركا ان تعطي الدولة العميقة الإيرانية دوراً بالتفوّق الأمني على العراق سورية لبنان واليمن ومغازلة شيعة البحرين وإدخالهم في العمل السياسي والتفاوض على الحدود البحرية اللبنانية بتسوية على النقطة ٢٣ تكون تحت الوصاية الأميركية وتقاسم مصفاة الزهراني ومصفاة طرابلس، والقبول بإبقاء سلاح المقاومة ضمن ضوابط، مما يعطي إشارات تفاؤل كبيرة في إتجاه بيروت والأمل في التسوية على الحدود البحرية لتخطي أزماتنا الاقتصادية.
في حال تمّ توقيع الاتفاق الأميركي الإيراني قبل الاستحقاقات النيابية فإنّ الانتخابات في لبنان ومتعلقاتها سوف تؤجل لأكثر من سنة للتعديل والتسوية الداخلية وترسيم الحدود مع الكيان «الإسرائيلي» والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. كما تسهيل وعدم عرقلة الموقف الفلسطيني الذي أعلن قبوله بدولة فلسطينية ضمن حدود ٦٧، ولكن هل سترضى إيران بتلك المطالب؟ خاصة أنها حالياً يمكنها فرض الشروط أكثر من ذي قبل، ومن ثم تطويق روسيا بقواعد عسكرية قريبة وأزمة أوكرانيا وربما تدخل على الخط لتطويق دول من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، كما لا يمكننا أن ننسى أفغانستان وجورجيا ومحاولة ولوج فاشلة على كازاخستان، وقواعد عسكرية في تركيا، كما تطويق الصين من أفغانستان وكازاخستان وتايوان وهونغ كونغ وبحر الصين وكوريا الجنوبية والأسطول السابع الأميركي، حيث انّ قطار النقل الصيني وصل الى انقرة على بعد خطوة من أوروبا، وهذا تهديد اقتصادي إضافي وخطير.
إنّ معظم عمليات التطويق تطال الدول الثلاث روسيا الصين وإيران وبينها ما هو مشترك.
لذا، نرى بأنّ شروط الحرب الأميركية قد اكتملت مع تلك الدول، مع تأجيل تكتيكي في الشرق الأوسط، أعني ايران خصوصاً، للإبقاء على السيطرة على صادرات النفط وتحييدها عن الحرب المقبلة إنْ حصلت مع الصين.
ولكن حرب أميركا وجودية استراتيجية مع الصين وهي جاهزة للضغط على الزناد، انها حرب الضرورة، وان لم تقم بها أميركا ضدّ الصين قبل ٢٠٢٤، فإنها ستخسر مركزها الأول، مع انها بحرب او دون حرب ستخسر ذلك المركز وتكون القوة رقم ٢ او ٣ عالمياً.
لقد أفلت الأميركيون بعض أصابع قبضتهم على أفغانستان إيهاماً للعالم بأنهم ينسحبون لتعمّ نشوة الانتصارات المجانية قسم كبير من أعدائها، الى أن فاجأت خصومها بشدّ العصب في أوكرانيا، ومن ثم كازاخستان، وقد فشلت، مما يعني أنها بدأت بحربها غير المعلنة على منظمة شنغهاي، والتفرقة بينهم بمحادثات هنا وهناك.
الى الآن الفشل الأميركي يتبعه الفشل ولو نسبياً، أولا في الشرق الأوسط، إلا أنها تعيد مخططاتها مراراً وتكراراً نظراً لقدرتها الاقتصادية والعسكرية على تحمّل ذلك وتكرار التجربة الى ان تنجح، كما فشلها الذريع في كازاخستان، ومحاولتها استنهاض قبائل الإيغور وهي آخر أوراقها قبل اللجوء الى حرب الضرورة المباشرة مع الصين، حيث انها حرب لا بدّ منها وذلك قبل دخول أميركا في بازار الانتخابات الرئاسية وظهور فضائحها الأمنية والاقتصادية للعلن.
لقد بدأت معالم قرب حرب الضرورة الأميركية الصينية، وذلك في حال لم ترض الصين ان تنسحب من التنافس على قيادة العالم الجديد في السنوات القليلة المقبلة فإنها لربما تبدأ بحرب تأديبية وتتوسع.
وعليه، فإنه يتوجب علينا الاستفادة من هذا الوقت وترتيب أوراقنا في منطقتنا لعلّ وعسى ان يكون لنا كدول الشرق الأوسط دور فاعل في العالم الجديد الذي يكون نفسه حالياً. حيث انّ أميركا تحاول تجميد منطقتنا وإبقائها على حالها لتعود إليها لاحقاً وتطوّعها من جديد، ولكنها قلقة جدا من محاولة إيران تعظيم دورها بتعاون روسي ومساعدة صينية في غرب آسيا لإعادة الاستقرار الذي أكلته الفوضى الخلاقة وسحب البساط من تحت أقدام أميركا، وبالتالي، تضعف معها حليفتها «إسرائيل» المغطاة بعباءة أميركا اقتصادياً وعسكرياً إلا أنها تسيطر بنبوءاتها التوراتية على أميركا، وهي تجرّ الولايات المتحدة لحروب المستفيد منها فقط «إسرائيل» ولفرص التطبيع على بعض الدول العربية لتقوية العمق الاستراتيجي الاقتصاد للكيان الصهيوني وصولاً لصفقة القرن، فما جدوى الحروب الأميركية في الشرق الأوسط وهي تسيطر على كامل منابع النفط العربي ولديها قواعد عسكرية لا حصر لها وتحتلّ الكثير من الأراضي فيها، لعلّ وعسى تطال التسوية تحجيم الهيمنة الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» الى حين الحرب التوراتية الكبرى.