ماذا يريد الأميركيّون من الاتصال مع حزب الله؟
ناصر قنديل
– ما كشفه رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين في السهرة التي جمعته بعدد من الشخصيات الإعلامية، عن محاولات أميركية حثيثة وحديثة للاتصال بحزب الله ودعوته لاختيار المستوى الذي يناسبه للتواصل، يطرح سؤالاً كبيراً حول كيفية الجمع بين وضع الأميركيين لمعركتهم بوجه حزب الله عنوان مقاربتهم للوضع في لبنان، وسعيهم لحشد كل خصوم حزب الله تحت شعار تحجيم الحزب وحلفائه انتخابياً، بل وضع شرط القطيعة مع حزب الله والعداء له لإدراج أية مجموعة معارضة او جمعية من جمعيات المجتمع المدني على لوائح المستفيدين من المساعدات الأميركيّة، من جهة، وبين سعيهم لهذا التواصل وإلحاحهم عليه واستعدادهم لقبول المستوى الذين يناسب حزب الله لتحقيقه؟
– لو كانت هناك مواجهات عسكرية وأمنية بين القوات الأميركية وحزب الله، لكان هذا السعي مفهوماً على قاعدة الحاجة لمستوى من التواصل تفرضه الحروب على المتحاربين، لإخلاء الجرحى والممرات الإنسانيّة الآمنة، وفتح باب إعلان هدنة تفرضها سياقات الحروب، لكن في صراع سياسيّ قائم على استخدام كل الأسلحة التعبويّة، وصولاً لجعل عنوان السياسة الأميركية في مخاطبة اللبنانيين، “حزب الله سبب أزماتكم فقاطعوه وواجهوه”، ثم القيام بوساطات لتأمين تواصل يكسر هذه المقاطعة، فذلك ليس بالأمر العادي، لأن كل ما يمكن تصنيفه تحت عنوان الشؤون اللوجستية والتقنية التي قد يحتاج الأميركيون لها في لبنان لا تحتاج حواراً مع حزب الله ولا تواصلاً معه، فتسييرها لا يحتاج ما هو أبعد من التنسيق والتواصل مع أجهزة الدولة، وللأميركيين خطوط ساخنة وفاعلة، مع الجيش والقضاء ومصرف لبنان. وهي عناوين المحاور ذات الصلة بكل ما يمكن أن يندرج تحت عنوان لوجستي او تقني أو إداري.
– لا يخفي الأميركيون أن ما يريدونه هو تواصل للحوار السياسي، فماذا يريدون أن يبحثوا مع حزب الله، بل لماذا يريدون أن يبحثوا أي شأن مع حزب الله، فهم ومَن معهم ومَن يدور في فلكهم، ومَن يسبّح بحمدهم، يقولون إن زمن حزب الله في لبنان قد انتهى أو هو قيد النهاية، وإن الأغلبية اللبنانية بوجه حزب الله قد تحققت شعبياً، وهي قد التحقق نيابياً، وتردّد جماعة أميركا ما هو أبعد من ذلك بتسويقهم مقولة أنه إذا نجحت المفاوضات حول الملف النووي بين واشنطن وطهران بتأمين العودة للاتفاق، سيكون رأس حزب الله على طاولة التفاوض، وإذا فشلت المفاوضات، سيكون حزب الله عرضة لحصار مميت؟
– السبب بساطة لأن الأميركيين يكذبون، وهم يقولون لجماعتهم عكس ما يعلمون وعكس ما يعملون. ويكفي التذكير بما قاله روبرت ماكفرلين مستشار الأمن القومي في أيام الرئيس رونالد ريغان، عن سبب عدم إبلاغ الرئيس اللبناني آنذاك، أمين الجميل، بنية واشنطن الانسحاب من لبنان ووجود مفاوضات بينها وبين سورية، والإيحاء له بالعكس بأن الأمور مع سورية ذاهبة للتصعيد، فيجيب أن تصعيد الحلفاء يحسّن شروط التفاوض، وأنه إذا قلنا لحلفائنا إننا نفاوض او ذاهبون للتفاوض لسبقونا الى دمشق، والأمر نفسه يحدث مع حزب الله. فواشنطن تدرك أن حزب الله قوة إقليمية صاعدة وليس قوة ثابتة فقط، وتعلم ان لا تفاوض على مستقبل حزب الله. وتعلم أن القوة اللبنانية التي لن تتأثر بنتائج الانتخابات النيابية، هي ثنائي حركة أمل وحزب الله الذي يمثل حزب الله ركناً رئيسياً فيه، بل إن واشنطن لا تقيم حساباً في مقاربتها لمستقبل لبنان سواء في المواجهة او في التفاوض، لغير هذه المقاومة التي تهدد أمن “إسرائيل”. وهذا هو الهم الأميركي الأول في المنطقة. والأميركي الذي يدرك أن حروبه بلغت نهاياتها في المنطقة، ويحتاج لبدء ترسيم خطواته في ترجمة هذه النهاية، للتفاوض والحوار حول المستقبل مع هذه المقاومة، ولأن الأميركي واثق من أنه “يمون” على الذين يصفهم بجماعته أو حلفائه في المنطقة واستطراداً في لبنان، فهو يسعى للوقوف على طبيعة ما يريده حزب الله للانخراط في تسويات، تطال ملفات تبدأ بوضع الجبهة الحدودية مع كيان الاحتلال في جنوب لبنان وجنوب سورية، وتمر بمستقبل ترسيم حدود النفط والغاز، ولا تنتهي بمستقبل الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وربما يكون البحث بصيغة سياسية وطائفية جديدة للبنان في الجيب الأميركي، إذا كان التوصل لنقاط مشتركة في منتصف الطريق ممكناً.
السؤال عن سبب رفض حزب الله يجد جوابه في أن المقاومة ليس لديها ما تبحثه مع الأميركي، وأن المقاومة لا تكذب فهي تصنّف الأميركي عدواً، ولذلك لا تسمح لنفسها باللعب معه تحت الطاولة، وما تحتاجه المصلحة اللبنانية من بحث فليبحث مع الدولة اللبنانيّة. وما يريد حزب الله بحثه في مستقبل لبنان واستحقاقاته يبحثه مع الأطراف اللبنانيين. فهل يفهم خصوم حزب الله من اللبنانيين، المغرومين بأميركا، معنى هذا السلوك الأميركي؟