للذين يقولون اقترحوا علينا بدائل للموازنة
أغلب الردود الدفاعيّة عن الموازنة التي ستناقشها الحكومة تنطلق من معادلة يظن أصحابها أنها تعجيزية تحت شعار ان الحرب بالنظارات سهلة، وأن روما من فوق غير روما من تحت، فيقولون بدلاً من الانتقاد السهل هاتوا بدائل عملية.
لهؤلاء نقول أولاً أزيلوا الأكاذيب من الموازنة وأضيفوا الحقائق. فهل تصدقون موازنة مبنية على أسعار وهميّة لسعر صرف الدولار، كما يظهر من رقم سلفة الكهرباء بـ 5000 مليار ليرة أيّ مئتي مليون دولار لسنة كاملة، والرقم قد ينفق خلال شهرين؟
المعادلة البسيطة في الموازنة هي أن تعبّر عن أرقام حقيقية لا أن تكون مجرد ستارة محشوة بالأرقام لتبرير زيادات ضرائبية تفرض على الفقراء ومحدودي الدخل، وهو ما تمثله الضرائب التي تستوفى على السلع من ضريبة القيمة المضافة، لأنه باستثناء أرقام الضرائب وتعديلات الرسوم الجمركية المموّهة بصلاحيات تمارس لاحقاً بموجب تفويض تشريعي لوزير المالية في تحديد سعر صرف لاستيفائها، وكل ما يتصل بجبايات جديدة، لا أرقام ذات قيمة في الموازنة.
لا صدقيّة لنفقات للدولة قيمتها فقط ملياري دولار، هو قيمة العجز الذي كان ينتج عن موازنة كهرباء لبنان وحدها، والدولة تعد بتأمين الكهرباء لتبرّر رفع قيمة الفواتير، فكيف يعقل أن تكون كل نفقات الدولة ملياري دولار فقط؟
من نفقات تعادل 15 مليار دولار في موازنة عام 2018، كانت خدمة الدين تعادل 6 مليارات منها، يبقى 9 مليارات، هي كناية عن 6 مليارات رواتب وتعويضات ومليارين للكهرباء ومليار للنفقات التشغيلية للدولة، وكل ما يجري هو عملياً تخفيض الرواتب والتعويضات الى أقلّ من مليار دولار، والتلاعب برقم كلفة الكهرباء عبر سعر الصرف الوهميّ لتبدو الأرقام منخفضة، وإلغاء أغلب النفقات التشغيلية، خصوصاً ما يتصل بعطاءات تنعكس على الطبقات الفقيرة كالدعم الاجتماعي والصحي وصيانة البنى التحتية.
في الواردات جبايات جديدة وضرائب جديدة تضاعف قيمة الواردات أربع مرات بالليرة اللبنانية، وهي تطال مَن يقبضون غالباً رواتب بالليرة اللبنانية، ورواتبهم لم يتمّ تعديلها، بل منحوا راتب شهر لمدة سنة، وهذا عملياً يعني جباية الأربع مرات من دخل يزيد مرة واحدة، ولكن مع فارق أنّ ذلك يجري مع اقتصاد يمثل 40% من اقتصاد عام 2018، فتصبح المعادلة مرتين ونصفاً أكثر من قيمة الضرائب نسبة للاقتصاد وحجمه، كأنك تزيد أربعة مرات، أكثر مرتين ونصف أي عشر مرات، جباية، ولا تزيد الدخل إلا مرة واحدة، والنتيجة انكماش يصل حد الإفلاس.
تصحيح النفقات يبدأ بالاعتراف بالحاجة إلى موازنة تقارب الخمسة مليارات دولار، على سعر الـ 25 الف ليرة أيّ ما يعادل 125 ألف مليار ليرة، تزاد فيها الرواتب والتعويضات الى 50 ألف مليار ليرة وهو ثلث ما كان عليه الرقم الفعلي قبل الانهيار، ولكنه أربعة أضعاف الرقم الإسمي بالليرة اللبنانية، وأن تتضمّن النفقات إضافة للرواتب والتعويضات، مليار دولار (25 الف مليار ليرة) للكهرباء وملياراً آخر (25 الف مليار ليرة) لبرامج الرعاية الصحية والاجتماعية وملياراً ثالثاً (25 ألف مليار ليرة) للنفقات الاستثمارية والتشغيلية.
الواردات التي بلغت 40 ألف مليار ليرة وفقاً لتقديرات الموازنة قابلة للزيادة الى 90 الف مليار بزيادة من مصدرين، الأول 25 الف مليار ليرة، أيّ مليار دولار من مصرف لبنان كدفعة تتمّ تسويتها من حساب الخسائر، وهي عملياً نصف كمية النقد الجديد الذي قام مصرف لبنان بطباعته، والثاني 25 ألف مليار ليرة (مليار دولار) تعادل 20% كضريبة على كلّ التحويلات المالية التي تمّت منذ مطلع عام 2019 حتى تاريخ صدور قانون الموازنة.