معايير التوازن في الموازنة
– حسناً فعلت الحكومة بالبدء بالتراجع عن العناد في الدفاع عن نقاط الضعف التي أفرغت الموازنة من وظيفتها في رسم الهوية الاقتصادية والاجتماعية لسياسة الدولة، بعدما قالت الأرقام التي تضمّنتها إنها تعتمد في وارداتها على تحميل الأعباء حصراً لذوي الدخل المحدود عبر زيادة فواتير الهاتف والكهرباء والدولار الجمركيّ وفرض ضريبة إضافيّة على ضريبة القيمة المضافة، وتحرم في نفقاتها الموظفين من أي تعويض يتناسب مع زيادة الأعباء الجديدة، فكيف بمواجهة أعباء الانهيار المتراكم.
– تحسين الموازنة وتجميلها أو تخفيف قسوتها على ذوي الدخل المحدود شيء وإعادة التوازن إليها شيء آخر. ولإعادة التوازن معايير ليست وجهات نظر، بل هي حاصل العلم الذي يعرفه مَن وضع الموازنة ويعرفه من يناقشونها، وهي تتصل بوجهتين: من أين يتم تحصيل الموارد وعلى مَن يتم توزيع أعبائها وبأي نسب؟ ولمن تذهب النفقات ومَن يستفيد منها وبأي نسب؟
– في نفقات الموازنة لا يمكن الحديث عن حد أدنى من التوازن من دون أن تشمل النفقات زيادة الرواتب أربع مرات على الأقل، أي جعل قيمتها ربع قيمتها قبل الانهيار، بينما هي الآن واحد من ستة عشر من هذه القيمة. وهذا يعني أن يجري ضمّ خطط الدعم الاجتماعي في الموازنة لغير الموظفين بما يعادل هذه النسبة ليطال الفئات الأشد فقراً، وتظهير أرقام تمويل الكهرباء بصورة شفافة بسعر القيمة الفعلية وليس بسعر اسميّ دفتريّ بين الدولة ومصرف لبنان يدفع المودعون ثمنه من بيع ما تبقى من ودائعهم بأسعار وهميّة، يوازيها قرار مصرف لبنان بتسليمهم هذه الودائع بسعر بيعها للكهرباء.
– في واردات الموازنة التي زادت أربع مرات، معيار التوازن هو مصدر تحصيل هذه الواردات، وهو في النص الأصلي المستهلك اللبناني، وليس فيها أي مورد من مصرف لبنان أو المصارف، والحد الأدنى هو توزيع الواردات مناصفة بين ما سيدفعه اللبنانيون في فواتير استهلاكهم، وما سيدفعه مصرف لبنان الذي طبع من العملات الورقيّة سبعة أضعاف ما كان لديه قبل الانهيار، وتدفعه المصارف التي قامت بتحويلات غير تجارية أو اقتصادية تعتبر تهريباً للأموال الى الخارج بقيمة تزيد عن عشرة مليارات دولار خلال سنوات الانهيار ويفترض مطالبتها بضرائب عنها، كحد أدنى.