الأسير الأنموذج ناصر أبو حميد
} ربا يوسف شاهين
لم تنته الحكاية لتبدأ، بل إنها واقع موجود في بلد جميل أسمه فلسطين؛ هذا البلد الذي دنّسته يدُّ المغتصبين ولم تزل، منذ 73 عاماً، وتمارس فيه كلّ وحشيتها بحق الإنسان، لكن المختلف في بلدي فلسطين، أنَّ الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، والرمل والحجر، لم يسلم من غطرسة المحتل الدنيء.
تتابعت السنين والعقود، والقضية الفلسطينية لم تُحلّ، مع أنَّ الشاهد بعينه، والناظر عن بُعد، وحتى القارئ للتاريخ الفلسطيني، سيعلم جيداً أنَّ الظلم في هذا البلد قد استفحل حدَّ الموت.
فلسطين الأسيرة في سجنها الكبير، أبناؤها مُقيّدون في سجون ظالمة مُجزأة، منتشرة على أرضها الخصبة، والتي يقتلها العدو بجدارها الإسمنتي والحديد الصَّدِئ، الذي يقول فيه أحد الأسرى إنه شهد تغيير أبوابها الصَّدِئة خلال مراحل سجنه، ولكم أنّ تحسبوا السنين!؟
قصة الأسرى مع المحتلّ، تشهد لها الجدران في فلسطين، وكتابات المناضلين والمفكرين وملايين الأوراق على منصات المنظمات الإنسانية والحقوقية، وفي مجلس الأمن وأدراجه المهملة للدول المعنية بالقضية الفلسطينية.
وهنا قصة الأسير البطل ناصر أبو حميد، (49 عاماً)، من مخيم الأمعري بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، معتقل منذ عام 2002 ومحكوم بالسجن المؤبد 7 مرات، و50 عاماً إضافية (مدى الحياة)، بـ «تهمة» مقاومة الاحتلال والمشاركة في تأسيس «كتائب شهداء الأقصى»، وهو شقيق لـ 5 أسرى محكومين بالمؤبد، وقد هدم الاحتلال منزلهم مرات. عديدة كان آخرها في العام 2018. كما حرمت الأم من زيارة أبنائها لسنوات
الأسير ناصر ابو حميد مريض بمرض عضال، نتيجة عدوى جرثومية أصيب بها في سجون الاحتلال، وعندما بدأ الوضع الصحي للأسير أبو حميد بالتدهور، وذلك منذ شهر آب / أغسطس 2021، حيث بدأ يعاني من آلام في صدره إلى أن تبيّن بأنه مصاب بوَرم على الرئة، وتمّت إزالته وإزالة قرابة 10 سم من محيط الورم على يد طبيب غير مختص، ليُعاد نقله إلى سجن عسقلان قبل تماثله للشفاء الأمر، الذي وصل به إلى هذه المرحلة الخطيرة، ومن مشفى «برزلاي» إلى معتقل الرملة يتمّ نقل الأسير المريض غير آبهن بوضعه الصحي وحالته الحرجة، ولا يسمحون لوالدته أو أيّ شخص من زيارته، إلى أن استطاع محامو هيئة شؤون الأسرى والمحررين «الغير حكومية» الحصول على الموافقة بزيارته، ليفاجأوا بقرار إدارة السجن بأنّ الأسير المريض ناصر أبو حميد غير قادر على الحراك حيث أجهزة التنفس تلازمه.
هي قضية أسير من بين آلاف القضايا التي يخفيها الكيان وسجانوه تحت الأقبية، وفي عتمات السجون اللاإنسانية، لأنّ من يدافعون عن وطنهم سيدفعون أثماناً باهظة، وهذا وعد الأحرار، لكن حتى في أحلك الظروف وأقهرها هناك قوانين إنسانية يكفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية والجمعيات الأممية.
في النهاية، وبكلمة قالتها لي والدة الأسير السيدة لطيفة أبو حميد «أم ناصر»: «تهدمون بيتي لكن لن تهدموا روحي»، وتقول أيضاً «وإنْ تعاظمتم لقتل فلذات أكبادي لن أساوم وعن حقي في رؤية أولادي وتحقيق غاية كلّ أمّ فلسطينية أسر ولدها لم ولن أتوقف».
ومن المهمّ التذكير والقول، بأنه هيئة شؤون الأسرى كانت قد حمّلت إدارة السّجون «الإسرائيلية» المسؤولية كاملة عن حياة ناصر لأن نقله من مستشفى «برزلاي» قرار رسمي على إعدامه وحان الوقت الحقيقي للإفراج الفوري عنه ووقف قتله.
وليس هناك أجمل من لوحة ذكية للمبدع الفلسطيني الأديب ناجي العلي، تلخص معنى الصمت عن قول الحق، لوحة وضعها على مدخل معرض لرسوماته في بيروت، حيث رسم قضبان سجن على مرآة كبيرة، وضعها على مدخل المعرض، كان كلّ من ينظر إليها، يرى صورته في المرآة وراء القضبان.