واجب القضاء التحرك وعلى المرجعيات الدينية الادعاء
ناصر قنديل
– في حوار تلفزيوني تحدّث المسؤول الإعلامي في حزب القوات اللبنانية، أي الناطق الرسمي بلسان الحزب، وقال، «يجب أن يكون عنوان المرحلة المقبلة «مواجهة حزب الله» وأي اغتيال أو حدث أمني يتحمّل الحزب مسؤوليته وهو يحمل عقيدة «تجليطة» تنتمي الى العصور الحجريّة يريد أن يحارب لأجلها ونحن نريد ان نعيش بسلام»، والكلام لا يحتمل التأويل. فالمستهدف فيه هو العقيدة الدينية لا السياسية ولا البعد العقيديّ لمفهوم ولاية الفقيه، فالاثنان معاصران وعمر كل منهما عشرات السنين فقط، وحدها العقيدة الدينية بمذاهبها المختلفة، يمكن وصفها بالقدم والانتماء لزمن سحيق، وأمام هول الارتكاب، وبدلاً من الاعتذار العلني من أعلى مرجع في الحزب وهو رئيس الحزب في حالة خطأ جسيم يرتكبه الناطق الرسمي، قام الناطق نفسه بتوضيح لا يمتّ للحقيقة بصلة زاعماً أنه قصد عقيدة الحزب السياسية واصفاً إياها بالماضوية، مغطياً السموات بالقبوات فقال «كي لا يساء تفسير كلامي فإن «العقيدة التجليطة» التي تحدّثت عنها لا علاقة لها بأيّ بعد ديني، فأنا احترم كل الأديان، ولأنني أسأت التعبير استبدل «تجليطة» بالعقيدة السياسية الماضوية لـ«حزب الله» التي لا حدود لخلافي معها بفعل عدم إيمانها بحدود ودستور وحياة وإنسان يريد أن يعيش بسلام..»، فصارت المشكلة بمن يسيء الفهم وليس بالكلام الخطير الذي قيل، وتبعته جوقة من التصريحات والتعليقات التي تحمل مسؤولية دمه لحزب الله.
– ما يجب إيضاحه أولاً أن كلام الناطق بلسان القوات ليس زلة لسان، والا لكنا سمعنا اعتذاراً علنياً رسمياً عنه من رئيس الحزب، حرصاً على العيش المشترك واحترام العقائد الدينية، والأهم تحقيقاً لموجب منع الفتن الدينية والحرص على السلم الأهلي. ومعلوم أن صناعة الفتن تقوم على إلباس الصراع السياسي ثوب الصراع الديني، واستنفار العصبيات على ضفتين متقابلتين على أساس ديني، بدلاً من التموضع على ضفاف الاختلاف السياسي، التقابل على أساس ديني ينهي الحوار ويسقط البعد السلمي عن الخلاف. ففي العصبيات، يصبح الدفاع عن الدين بإراقة الدماء، وأبسط السذج يعلم ذلك، ويبتعد عن اللعب بهذه النار، إلا عندما يتقصد ذلك عمداً، ويتنصل من كلامه بطريقة تزيد الاستفزاز لأنها تتضمن احتقاراً للمطلوب الاعتذار منه واتهامه بسوء الفهم.
– ما يجب قوله ثانياً، إنها من المرات النادرة التي يخرج فيها مسؤول حزبيّ مفوض بالتحدث بلسان حزبه، بمثل هذا الكلام التحريضيّ على الفتنة. وهذا يحمل القضاء مسؤولية فورية وجسيمة، فردّ الاعتبار لمفهوم الصراع السياسي، يقوم على تمثيل الدولة عبر القضاء خصوصاً، قوة ردع لكل محاولة للاحتماء وراء مخاطرة تحويل السياسي إلى ديني، لانتزاع صفة ممثل الطائفة وحامي حماها، بعدما يكون هو مَن افتعل التصعيد من موقع هويته الملتبسة، فحين يهاجم بسبب تهجمه على عقيدة سواه، يقوم بتصوير الردّ عليه بصفته استهدافاً للطائفة، خصوصاً أن التعدي سينتج ردوداً من صنفه وطبيعته، تسهل المهمة، وحملة التأييد والدعم التي يلقاها المتعدي تنفي العفوية وزلة اللسان وتضع الأمر ضمن التعمد، والقصد، بإثارة الفتن. وواجب القضاء هنا استدعاء الناطق بلسان القوات وكل مَن سانده، ورغم المواد القانونية التي تعاقب بالحبس مثيري الفتن، والذين يعبثون بالسلم الأهلي، على القضاء بالحد الأدنى إصدار أحكام بمنع كل من يؤدي بكلامه الى إثارة النعرات من الظهور الإعلامي كتابة ونشراً وحضوراً بالصوت والصورة والتسجيل المصور والصوتي، لمدة تعادل مدة الحبس المنصوص عنه، وتغريم المدان ببدل مالي كافٍ لنشر متكرّر خلال المدة ذاتها لإعلان صحافي وتلفزيوني واذاعي، يتضمن اعتذاراً صريحاً وواضحاً يعترف بالجرم ويتعهّد بعدم ارتكابه.
– المرجعيات الدينية المختلفة، الحريصة على منع استخدام الدين كمتراس سياسي لصناعة الفتن في زمن شديد الخطورة على لبنان، وعشية الانتخابات النيابية وما يرافقها من توترات وشدّ عصب، مطالبة بالتحرك، استنكاراً كبداية، ومطالبة بالملاحقة القضائية تالياً، وتوضيحاً لحقيقة الفصل بين السياسي والديني، ودعوة لجميع المتعاطين بالسياسة، خصوصاً على أبواب الانتخابات لاحترام هذا الفصل تحت طائلة التصدي لهم، وطلب التحرك القضائي لملاحقتهم، ويبقى أن نسأل هيئة الإشراف على الانتخابات، اذا كانت تعتبر، طالما ان المنافسة الانتخابية تقوم بين أحزاب تشكل لوائح عموماً، والحزب المعني أعلن مشاركته وبدأ بتسمية مرشحيه، أليس من شروط سلامة العملية الانتخابية ملاحقة التحريض على الفتن، ومنع الاستغلال الديني في الانتخابات، والتحذير من اعتبار هذا النوع من التعبئة الإعلامية عنصر إبطال للترشيح ما لم يتم الاعتذار عنه والتعهد بعدم التكرار من أعلى مرجع حزبي معنيّ؟