الكباش الروسي الأميركي… مواجهة بأطر محدّدة
} د. حسن مرهج
«همروجة إعلامية، وتصريحات خلبية»؛ هي توصيفات تعكس السياسات الأميركية تجاه روسيا، خاصة أنه وفي الآونة الأخيرة، قد ارتفعت حدة الاشتباك السياسي بين موسكو وواشنطن، حيال ما يشهده الملف الأوكراني، لجهة الادّعاءات الأميركية المتعلقة بغزوٍ روسي محتمل لأوكرانيا، فالرسائل الحادة التي تبادلتها القوتان النوويتان، تعكس الصراع الحقيقي بين قطبين، لكلّطرف منهما مصالح واستراتيجيات في ملفات متعددة، وبذات التوقيت، فإنّ حالة الكباش بينهما، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ واشنطن تعتمد ومن منظور تصريحاتها، التغطية على سلسلة الهزائم السياسية التي مُنيت بها، في مقابل صعود روسي، وتماهٍ دولي مبطن مع السياسات الروسية.
ضمن ذلك، بات واضحاً أنّ واشنطن تهرب إلى الأمام، بالتوازي مع جملة هزائهما على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكذا في الداخل الأميركي، وحالة التجاذبات السياسية التي تؤطر المشهد الأميركي، وبين هذا وذاك، فإنّ الولايات المتحدة دائماً ما تهندس أزمة خارجية، أو تحاول خلق عدو خارجي، بغية تمويه خسائرها الإقليمية والدولية من جهة، وجمع شتات الداخل الأميركي من جهة أخرى.
وبالتأكيد، فإنّ فشل المفاوضات الروسية الأميركية المباشرة، ومفاوضات حلف الناتو، أرخى بظلال تأثيراته على جزئيات المشهد الروسي الأميركي، وبالتوازي، فإنّ البروباغندا التي سوقت لها وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية، جاءت كمن يصبّ الزيت على النار، خاصة أنّ جلّ الادّعاءات بغزوٍ روسي محتمل لأوكرانيا، لا يستند إلى وقائع ومعطيات حقيقة، إنما تأتي تلك الادّعاءات، في إطار تشويه صورة روسيا ـ بوتين، وتأطير سياساتها في المستويين الإقليمي والدولي.
في ذات السياق، فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أنّ موسكو تلقت رداً خطياً من واشنطن على مقترحاتها الأمنية، لكن سرعان ما أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أنّ ردود واشنطن بشأن الضمانات الأمنية تبعث على الأمل في بدء حوار جدي لكن بشأن قضايا ثانوية، ومن المهم التذكير، بأنّ روسيا تقدمت في يوم الـ 17 من كانون الأول الماضي، بمشروعي اتفاقين مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، حول ملف الضمانات الأمنية، يشملان ضمانات لعدم توسع الناتو شرقاً على حساب أوكرانيا، وأيّ دول أخرى، والتزامات بعدم نشر الصواريخ الأميركية الجديدة متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا والحدّ من الأنشطة العسكرية في أوروبا.
حقيقة الأمر، أنّ التصعيد ضدّ روسيا، لا ينطلق من معطيات واضحة، ولا توجد دلائل واقعية، ترك رغبة روسيا بغزو أوكرانيا، الأمر الذي نفته موسكو تكراراً، على الرغم من الاستفزازات التي تنطلق من واشنطن وكييف على السواء، وقد وصفت السفارة الروسية في واشنطن، تصريحات البيت الأبيض بشأن توقيت غزو روسيا لأوكرانيا، بالمعلومات المضللة، واعتبرتها بمثابة ضغط إعلامي مع تأكيد موسكو الانتقال إلى إجراءات أخرى، بما في ذلك الردع المضاد والإخافة المضادة، وقد ترجم ذلك دميتري بيسكوف السكرتير الصحافي للكرملين في حديث لشبكة CNN، معلناً أنّ «روسيا والولايات المتحدة تسيران في مسارين مختلفين تماما، وأنّ الأمر صار يدعو للقلق».
انّ الرفع المنهجي في خطاب موسكو الصارم يعود لإدراكها جدية أوراق القوة التي تمتلكها، وتدرك في الوقت نفسه مدى التسرّع والانبطاح الأوروبي أمام جبروت واشنطن، وإنْ حاولت بعض الدول الأوروبية الانعتاق من السياق الأميركي، دون الالتفات من بعض الدول ايضاً الى مصلحة شعوبها، التي تحتاج الغاز الروسي، وبدون هذا الغاز، وعدم تخزين احتياط يكفي لموسم الصقيع، فقد تتجمّد أوروبا، ووفقاً لخبراء الشركة الاستشارية «وود ماكينزي Wood Mackenzie»، فلو توقفت إمدادات الغاز من روسيا تماماً، ستتجمّد أوروبا حرفياً هذا الشتاء.
في المحصلة، أنّ جوهر السياسات الأميركية تجاه روسيا، ستجعل جو بايدن يواجه شتاءً روسياً قاسياً وبارداً، فالتوتر الحاصل في العلاقات مع روسيا، تعكس حقيقة أنّ بايدن يواجه مهام صعبة في الداخل والسياسة الخارجية، فيما الأزمة في شرق أوروبا آخذة في الاحتدام، حيث أن المفاوضات مع موسكو حول القضايا الأمنية في المنطقة لم تخرج بأيّ نتائج مهمة بعد، المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي وصلت أيضاً إلى نقطة حرجة، ليبقى التساؤل الأهمّ مؤطراً ضمن جزئيتي… إيجاد حلول دبلوماسية ترضي روسيا، أو الاستمرار بسياسة التصعيد الأميركي ضدها، والتي لن تؤدّي إلى نتائج، بل على العكس، سيأتي اليوم الذي تبحث فيه واشنطن، عن معادلة تنزلها من أعلى شجرة أوهامها، لكن في المقابل، فإنّ الوضع بين القوتيين العظميين يتفاقم، وعضّ الاصابع يكاد يصل الى الخواتيم مع روسيا، التي تجيد سياسة النفس الطويل، واذا أرادت واشنطن الحرب، فإنّ الأوراق الروسية قوية بما يكفي، لإرهاق واشنطن، ويكفي أن تبدأ روسيا، بقوات الاحتلال الأميركي في شمال شرق سورية…