التطبيع هو سرّ الشبكات الإسرائيليّة الجديدة
نجاح فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بكشف سبع عشرة شبكة تجسس إسرائيلية جديدة، يقدم الإنجاز للبنانيين بما هو أكبر من التنظيف الأمني الذي يعنيه بإزالة مخاطر داهمة تتخطّى حدود جمع المعلومات، وتهدّد بالاغتيالات والتفجيرات والفتن الأهليّة، فالفرصة التي يوفرها الإنجاز الأمني هي للتأمل السياسي بمعرفة المستجدّات التي وفرت فرصة اختراق بهذا الحجم، وكيف يمكن سدّ الثغرات أمام المزيد من الاختراقات.
ثلاثة سيناريوات تتوزّع النتائج في تفسير سر الانكشاف الذي أتاح الاختراقات، ويفترض أن تشكل مواجهته عنوان المساهمة التي يفترض بالسياسة أن تقوم به لمنع المزيد من الانكشاف والمزيد من الاختراقات والمزيد من الشبكات.
السيناريو الأول يقول إن الأزمة الإقتصادية واليأس من الدولة بسبب تراجع مؤسساتها، وفشلها السياسي، وفساد مسؤوليها، وما رافق ذلك من إنهيارات معيشية وتراجع في المداخيل، هي العناصر التي تفسر النجاح الاستخباري الإسرائيلي.
السيناريو الثاني يقول إن المستجد الأبرز في الواقع اللبناني خلال الأعوام القليلة الماضية هو هذا الحجم الهائل من جمعيّات المجتمع المدني التي ولدت في سياق ما سبق وما لحق انتفاضة 17 تشرين، حيث آلاف الناشطين الذين لا تقع ثقافة العداء لـ”إسرائيل” في جدول الأولوية لثقافتها ونشاطها، وحيث التمويل متركز عن الدول الغربية التي تبثّ تحت عنوان الأولويات الإنسانية ثقافة تسخيف مفهوم القضايا المتصلة بالهوية، وأن الاختراقات الإسرائيلية استثمرت في هذا المناخ الجديد.
السيناريو الثالث يقول إن حجم التعبئة الثقافية والإعلامية تحت عنوان العداء للمقاومة وسلاحها، بعنوان “سياديّ”، وتحميلها مرة مسؤولية الانهيار الاقتصادي، ومرة مسؤولية انفجار مرفأ بيروت، ومرة مسؤولية حرمان لبنان من دعم ومؤازرة دول الغرب والخليج الغنية، جعل فئات لبنانية كثيرة عرضة لعملية غسل دماغ أزالت عن “إسرائيل” صفة العدو، وهذا كافٍ لجعل الطريق ممهداً أمام المخابرات الإسرائيلية لبدء مهام الاختراق.
مراجع أمنية واكبت عملية كشف الشبكات وقرأت في مقدّمات المشهد تؤكد أن لكل من هذه الفرضيات نصيباً مهماً في تمكين الإسرائيلي من التسلل براحة في بيئات كانت محصّنة بوجهه، لكنها تؤكد أن التحول الأبرز الذي فتح الطريق أمام الإسرائيلي كان ما جرى من عمليّات تطبيع عربية مع “إسرائيل”، حيث ترتب على ذلك أولاً امتلاك المخابرات الإسرائيلية منصات تحرّك جديدة تنطلق من الدول الخليجية خصوصاً، ومزوّدة بداتا معلوماتيّة تمكنها من الدخول الى المجتمع اللبناني ومجتمعات عربية أخرى خصوصاً في فلسطين وسورية، وتشغيل عناصر أمنية خليجية في عمليات التنسيق والتجنيد، وثانياً بالاستناد الى مدخل قوة في كل عمليات التجنيد يتمثل بالمثال الخليجي التطبيعي، والسؤال عن سبب التحفظ في الانفتاح على التعامل مع “إسرائيل”، وقد صارت “دولة مميّزة في دول عربية يحلم اللبنانيون بالتشبه بها”.
التطبيع خاصرة العرب الرخوة، ولبنان بصورة خاصة، أمام منهجية الاختراقات الإسرائيلية، والتي لم تنته ولن تنتهي، وما جرى من كشف للشبكات مهم جداً، لكنه ليس نهاية المطاف.