عُمان لسورية واليمن والكويت للبنان وقطر لأوكرانيا وأفغانستان!
ناصر قنديل
– شهد العام الأول من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تبلوراً لمجموعة من المعالم التي ترسم ملامح الحركة السياسية الأميركية، رغم الارتباك والتشوش المخيمين على كواليس صناعة القرار الأميركي، وقد شهدنا تسخيناً للكثير من الملفات الإقليمية حول العالم، سواء ما رافق حرب اليمن أو الضغوط على لبنان أو التشدّد تجاه سورية وصولاً للتجاذب الساخن حول أوكرانيا، بحيث بات الحديث عن الحاجة للتفرّغ للصين، مجرد عامل ذرائعي لتغطية ضعف القدرة على فرض الإرادة، ليبقى الثابت عكس ذلك كله عبر ما اتخذته ادارة بايدن من قرارات ترسم سياقاً استراتيجياً يصعب كسره. وهنا يقع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والمسار التفاوضي الذاهب نحو التفاهم حول الملف النووي الإيراني، وتبدو دول المنطقة التي حجزت مقاعدها للعب دور الوسيط بين واشنطن حول ملفات المنطقة الساخنة مدعوة لتشغيل محركاتها استعداداً لمرحلة جديدة.
– حاولت قطر تاريخياً ان تتصدر هذه الأدوار ونجحت في مراحل كثيرة بلعبها، وشكلت لقاءات الدوحة التي انتهت حول لبنان بصياغة تفاهم فتح الطريق لانتخابات رئاسية ونيابية، عام 2008، أبرز تجليات هذا النجاح، بالاستناد الى علاقة خاصة أقامتها قطر مع سورية. ومنذ التموضع الحاد والنافر لقطر في الحرب على سورية أصيب الموقع القطري بالتضعضع، رغم إعادة الوصل مع إيران ومحاولة لعب دور في الملف النووي الإيراني أو في العلاقات الخليجية الإيرانية، ولكن بالنتيجة باءت المحاولات القطرية بالفشل في الحصول على دور في المفاوضات الأميركية مع إيران. ويبدو أن أمير قطر قد تبلغ في زيارته الحالية لواشنطن بضرورة الكف عن التحرك لحجز مقعد في هذا الملف. فالملف يتولاه الرئيس الأميركي مباشرة، والمفاوضات الجارية لا تحتمل المضاربات والمزايدات، وكانت قطر قد تبلغت موقفاً سعودياً رافضاً لأي مسعى للوساطة في التفاوض مع إيران، بعدما حجز هذا المقعد للعراق.
– الملفات التي كان أمير قطر يبحث عن تفويض أميركي بإدارة الوساطات حولها تتسع بحجم أزمات المنطقة، من سورية الى اليمن وصولا للبنان، وحاصل النتائج الصادم لقطر هو أن المهام قد توزعت ولا مقعد بينها لقطر. فقطر وسيط غير مقبول في سورية، وغير مؤهل في اليمن، وغير نافع في لبنان، وقد أثبتت سلطنة عُمان أهليتها لقيادة التفاوض حول الملفين السوري واليمني، حيث ترحّب الدولة السورية بمساعي مسقط، ومثلها يفعل أنصار الله، وصولاً لحد أقرب للاشتراط بحصر التفاوض بمعبر إلزامي يمر بمسقط، من كل من دمشق وصنعاء. وزيارة وزير خارجية عمان الى سورية ليست للمجاملة والتضامن فقط، وهي جزء من مسار للدور العماني في ترتيبات تطال العلاقات السورية بالجامعة العربية من بوابة التحضير للقمة العربية المقررة بعد شهرين في الجزائر، وبالغرب من بوابة ملفات عودة النازحين وإعادة الإعمار والحل السياسي، واليمنيون الذي تلقوا إشارات عن إمكانية قيام الكويت بالعودة لدور راعي التفاوض قالوا إنهم يفضلون عُمان، وإن الكويت التي لعبت دور الوسيط في مرات سابقة في الملف اليمني ففقدت فرصها للعودة اليه بعدما تخلت عن الحياد تجاه الدول الخليجية التي تقود الحرب على اليمن. وهنا يجب الربط بين استحالة لعب الكويت لدور الوسيط في الشأن السوري، وتراجع الفرص الكويتية للعودة الى دور الوسيط في اليمن، وبين تقدّم الكويت للمشهد حول لبنان، وتكليفها بمهمة الوسيط فيه. والوساطة هنا هي وساطة ستظهر مع الأيام أنها مسار تفاوضي وليست مجرد إملاءات تهديدية وإنذار بالإذعان بلسان دول الخليج. ويسأل أمير قطر، وماذا تفعل الدوحة؟
– الجواب الأميركي إن الدور الذي أعطي لقطر في مرحلة ما بعد الانسحاب من أفغاستان نقلها من الإقليمية الى العالمية. وهذا يجب أن يكون موضع تقدير قطريّ، ويترجم بحمل الأعباء المالية للنهوض بأفغانستان منعاً لتجذر الإرهاب فيها مجدداً، وينتظرها اليوم دور «عالمي» مشابه قبل نشوب حرب في أوكرانيا، عليها الاستعداد له بالتموضع في خانة توفير بدائل الغاز لأوروبا في حال تعرّضها لخطر تدفق الغاز الروسي، وقطر تعرف حدود قدراتها وعجزها عن لعب هذا الدور، وأميرها يعود بخفي حنين من زيارته لواشنطن، مكتفياً بنقل رسائل تشجيع لإيران على المضي قدما في المسار التفاوضيّ لأن واشنطن جدّية بالوصول للاتفاق، رغم كل التصعيد الإعلامي الموجه نحو الداخل، ومثلها رسائل تشجيع لحكام الخليج على الإسراع بإيجاد مخارج منسابة لوقف حرب اليمن، لأن واشنطن لم تعُد قادرة على التغطية سياسياً وعسكرياً.