الشام الكبير
كلما أمعنت التفكير في المشاكل التي تعاني منها الدول التي كانت تكوّن بلاد الشام، ثم قذف بها الثنائي الشيطاني سايكس وبيكو إلى أتون التشرذم والتقسيم إنْ لم نقل التباعد والتخاصم وأحياناً التعادي، كلما ازددت قناعة بأنّ الحلّ يكمن في إعادة عقارب الساعة الى الوراء، ومعها بالتالي إزالة مفاعيل ذلك الاتفاق المشؤوم، ولعلّ لبنان هو أكثر الدول حاجة الى تلك العودة.
لقد خلِق الكيان اللبناني ديموغرافياً بطريقة تجعله في حالة من التناقض بين المكونات من نمط التناقض المطلق الذي لا فكاك منه، ولا يُؤمل ولا يُرجى اختلاق بعض من القواسم المشتركة العظمى تجعل من ابتداع حالة من اللحمة أمراً ممكناً، التناقض كلًي ومطلق ولا مندوحة من إذابة هذا الكيان في كيان أكبر او لنقل بعكس مفاعيل سايكس – بيكو .
كلّ أمم الأرض تحتفظ بلحمة بين مكوناتها وتستدعي في حالة التحدي الخارجي الوازع الوطني الذي يوحّد الأمة مهما تفاقمت الخلافات البينية في نطاق الجسد الواحد، فتجد الكلّ يتداعى للتصدّي للخطر الذي يشكل تهديداً للجميع بغضّ النظر عن التفاوتات والتجاذبات المحلية، هل يتوافر هذا النمط او هذا النسيج التكويني في اللوحة اللبنانية؟
لو حدث عدوان “إسرائيلي” على سبيل المثال، هل ستجد الكلّ اللبناني يتحد ويلغي كلّ ذلك التباين الطائفي جانباً ويشكل كلّاً موحداً في مواجهة العدوان “الإسرائيلي”؟ أشك في ذلك كثيراً، ثم أنّ التوغل الفكري المنفعي في أعماق الطوائف والكتل السياسية هو عميق إلى درجة يجعل من شبه المستحيل خلق حالة عامة وجنوح عام وموقف موحد إزاء الخطر الخارجي الداهم، ناهيك عن حالة تناقص المنفعة الذي يخلقه التمويل الخارجي، نحن بإزاء حالة شاذة فريدة، لا أجد إلّا حلّ الذوبان في الكلّ الشامي مرةً أخرى، وإزالة مفاعيل سايكس – بيكو بطريقة حاسمة لا عودة فيها وتأصيلاً لأية كتل سياسية أكبر على شاكلة الهلال الخصيب أو الوحدة العربية إنْ انطلقنا بعيداً في توجهات التوحيد وليس التبديد.