مقالات وآراء

البلد كله ليس رزقاً سائباً…

} علي بدر الدين

يبدو أنّ العاصفة السياسية والطائفية التي هبت، وطغت على ما عداها من أحداث وأزمات وصدمات، بعد قرار الرئيس سعد الحريري بالعزوف عن الترشح للانتخابات النيابية الموعودة، وتعليق «حياته» السياسية، هدأت بعض الشيء، وخفت سرعتها وتلاشى وهجها، ولم تعد منصة اعتمدها البعض لتوجيه «ما لذ وطاب» من عبارات القدح والذم والكذب والنفاق والتصويب «كيفما اتفق»، لجذب «أصوات» من اعتبرهم يتامى تيار المستقبل، الذين تحوّلوا إلى «أيدي سبأ»، بعد أن اكتملت صورة مشهد ما بعد الحريري، وأدلى كلّ فريق سياسي طائفي بدلوه، وحدّد حجم استفادته من «تركته»، وكيفية جذب بعض جمهور «المستقبل» وتجيير «أصواته» لمرشحيه ولتحالفاته الانتخابية، ثم دخول بهاء الحريري الشقيق الأكبر لسعد على خط السباق وهو الذي كان سباقاً في التحضير لوراثة شقيقه في شقها السياسي، وقد انقضّ عليها كأنه ينقض على فريسته، حتى لا تفلت من يده، وقبل أن يسبقه عليها آخر، فأعلن البيان رقم (١)، الذي حدّد فيه أهدافه الأولية، والوعد بالعودة الميمونة إلى لبنان حفاظاً على الإرث السياسي والطائفي والسلطوي، وللحؤول دون حصول أي فراغ.

هذا يذكرني» بوصية هارون الرشيد إلى ولديه الأمين والمأمون بأن لا يختلفا وقد عقد عهداً معهما على المحبة، ويقال إنه لصقه على جدار الكعبة، ولكن أقدم أحدهما أو آخر على تمزيقه، فدخل إبليس السلطة بينهما وفعل فتنته وأوقع بين الأخ وأخيه…»، غير أنّ مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، أكد للطامعين والطامحين والمتدخلين والغيورين على الطائفة ومصالحها، «أنّ الطائفة السنية ليست رزقاً سائباً».

على الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة ان تعلم أنّ لبنان ودولته وشعبه ليسوا رزقاً سائباً وليست ملكاً لها، وأن تدرك أيضاً أنها لن تخلّد إلى أبد الآبدين، أو أنها لن تقع وتسقط وهذا حتمي عاجلاً كان أم آجلاً، أو أنها من طينة مختلفة عصية على الهزيمة والانكسار، او أنها تتشكل من حكام أصنام حجرية أو من تمر، لا تسقط ولا تنهار، وهي تعلم أيضاً أنّ أناس ذلك الزمان كانوا عندما يجوعون ويفقرون ويذلون يدمّرون الأصنام الآلهة، ويأكلون آلهة التمر.

إنّ الاستمرار بالظلم والفساد والنهب والتحاصص والجشع والاحتكار عاقِبته وخيمة، وحتماً من حفر حفرة لشعبه سيقع فيها سواء طال الزمن أم قصر، ولن تنفع السلاطين الجائرين أموالهم المنقولة وغير المنقولة المكدّسة في خزائن ومصارف الداخل والخارج، ولن تدوم ديكتاتورية أحد منهم ولا تحالفاتهم الانتخابية وتسوياتهم وتقاسمهم النفوذ والسلطة والتحاصص، وعليهم الاتعاظ والعبرة ممن سبقهم قديماً وحديثاً من أمثالهم، الذين حكموا واستبدّوا وتسلطوا وظلموا، فأين أصبحوا الآن، وكيف انتهى مصيرهم، لا يتذكرهم أحد سوى باللعنات عليهم وهم تحت التراب، وباب التوبة مفتوح لمن يرغب.

إنّ دوام الحال من المحال، و»لو دامت لغيركم لما وصلت إليكم».

انسداد أفق المعالجات والحلول على مستوى الداخل والخارج، زاد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية، وباتت الأمور أكثر تعقيداً وتأزّماً، وقد تمدّد الانهيار إلى كلّ القطاعات والمؤسسات والإدارات، حتى بلغ السفارات والقنصليات اللبنانية في العالم، رغم رفعها للضرائب والرسوم على معاملات المغتربين، ولكنها تتآكل بفعل السقوف العالية لرواتب السفراء والقناصل والموظفين فيها، وغيرها من العلاوات والنفقات والبذخ، ما استدعى استنفار وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب ودفعه الى توجيه نداء مستعجل للجاليات اللبنانية في دول الاغتراب للتعاون مع السفارات ودعمها لإنقاذ السلك الديبلوماسي قبل فوات الأوان، والإقدام على اتخاذ القرار الصعب بإقفال بعض السفارات في العديد من الدول، يعني مباشرة أو غير مباشرة فيه تحميل المغتربين اللبنانيين مسؤولية إنقاذ السفارات والقنصليات والاقتصاد والمالية العامة ومعيشة الشعب اللبناني، حتى لا يقع فريسة سهلة في براثن الفقر والجوع والمرض والذل والحرمان، وهو تبرئة للسلطة من كلّ ما اقترفته على مدى عقود حكمها، ومن أجل حماية الطبقة السياسية وبقائها في السلطة والتجديد لها بالانتخابات أو بالتمديد، وهي التي أفسدت وسطت على أموال المودعين المغتربين اللبنانيين في المصارف وحوّلتها إلى حساباتها في مصارف الخارج وخزائن القصور والفيلات. وكأنّ «الذي فيهم لا يكفيهم». أم انّ نداء الوزير يدخل في باب السجال حول التعديلات التي أقرّها مجلس النواب على قانون انتخاب المغتربين، وتحويل اقتراع المغتربين إلى رهينة لهذا الفريق أو ذاك، أو جعلها جسراً وممراً لتطيير اقتراع المغتربين، والذي ارتفعت اسهمه في الآونة الأخيرة؟

ليس للشعب اللبناني خيار سوى الانتفاض عليها بأيّ طريقة لأنها وحدها المسؤولة، وسبب البلاء الكبير الذي حلّ في لبنان ولا يزال مستمراً، ونستشهد هنا، بما قاله البابا فرنسيس، «لبنان لا ينهض من دون همة شعبه، الذي يجب عليه ان ينتفض».

Related Articles

Back to top button