كفوا عن صناعة الأعداء
قلّة ممن عرفت يتداخلون في علاقات مع محيطهم على شكل حرف (H)، بحيث يكون كل طرف كائن كالوتد قائماً بذاته له حياته وقناعاته وإمكاناته وشواغله وأهدافه على أنه يتواصل مع الآخرين عبر (-) معبر يصل بينه وبينهم، فإن حدث وانقطعت الصلة (-) بينه وبين الآخرين، سيظل واقفاً، قائماً (I) ولن ينهار إن فقد عزيزاً، لكن كثيرين يسعون لعلاقة مع الآخرين على شكل حرف (T) يرتكزون كلياً على شريكهم في العلاقة ليحمل عنهم مسؤوليات حياتهم وخياراتهم بالمطلق، بحيث يستنشقونهم كأوكسجين لحياتهم.
وجد تشوكو ليانغ مستشار ملك الصين نفسه أمام تهمة بالتخابر مع العدو هو منها بريء. وقد عزم الملك على قتله، ولكنه لم يرد أن يقتله بتهمة الخيانة التي لا دليل عليها، وإنما قام بتكليفه بمهمة مستحيلة يفشل بها!!
طلب منه الملك أن يؤمن للجيش مئة ألف سهم في غضون ثلاثة أيام، وكانت هذه مهمة مستحيلة خصوصاً أنهم خارج المدينة فلا يمكن شراء الأسهم ولا صنعها!!
ولكن ليانغ المعروف بذكائه الخارق، أحضر عشرين قارباً، ملأها بالقشّ، وألصقها ببعضها البعض، وفي المساء حيث كان الضباب كثيفاً أرسل القوارب تجاه معسكر العدو. ظنّ الأعداء أن هذه خدعة حربية، إنهم لا يعرفون ما هذا الشيء الذي يزحف نحوهم، ومن المغامرة التحقق عن قرب، فأمطروا القوارب بالسهام التي كانت تنغرز بالقش وتبقى سليمة، وبعد ساعتين سحب ليانغ القوارب، ونزع منها مئة ألف سهم وقدّمها للملك وشرح له كيف فعل هذا كي لا يكسر له كلمته. اعتذر له الملك وعادت المياه إلى مجاريها.
الأشخاص الذين تتعامل معهم كأنك تسير في حقل ألغام لا تعلم متى ينفجر أحدها ويطيح بك، غادرهم على الفور، لا شيء أسوأ من علاقة تبقيك على حذر على مدار الساعة، ستحسب حساب الكلمة الواحدة ألف مرة، وحدهم مَن تكون بتلقائيتك معهم، مَن يُشعرونك أنك آمن وإن أخطأت، تشبّث بهم بأسنانك وأظافرك.
أغلبنا يبحث في العلاقة عن السند سواء كانت العلاقة مع بشر أو مع شيء؛ الصديق السند، الوظيفة السند، المعارف السند، الزوج السند، الجيران السند.
قال (نيلسون مانديلا): “أنا لا أخسر أبداً إما أربح أو أتعلم”.
لا شيء أصعب من أن تكون في امتحان دائم، عليك أن تثبت ولاءك ووفاءك كل لحظة، هذا يجعلك ترى الحياة ساحة حرب ليس لك فيها من هدنة تلتقط فيها أنفاسك غير لحظات الرضى التي تجدها منهم، ولا أظن أن أحداً في هذا العالم يتطلّع إلى حياة كهذه.