نـهـرُ الحيـاة الدائم التدفق
} يوسف المسمار
لا تحـزَننَّ عـلى رحيـلِ أحـبَّـةٍ
إن الـرحـيـلَ تَحـوُّلٌ وتَـطــوُّرُ
أو تخشينَّ الموت َ فهو نهايةٌ
وبـدايـةٌ بهما الوجـودُ مُـقـرّرُ
نهـرُ الحيـاةِ تَـمَـوُّجٌ متعاقـبٌ
مـوجٌ يغـيـبُ وآخـرٌ يتـفـجـرُ
لغـزُ الخليقةِ كامنٌ بـرحيـلـنا
حارَ الجهولُ ومثلهُ المُتَبحِّـر
لا يعلمُ السرَّ الخفيَّ سوى الذي
خلقَ الحياة وكلَّ ما لا نُبصِرُ
فلما التـأوُّهُ والبكاءُ وعُـمرُنـا
بيدِ القديرِ وما بـنا لا نشعـرُ
فالموتُ من نِعَمِ الإلهِ ولطفهِ
مثل الحياةِ لو اهتدى المُتفكـرُ
لولاهُ ما انـكـشـفَ السـتـارُ عـن
الغيوبِ ولا انجلى سِرٌّ ولا متسترُ
مفـتاحُ أسـرارِ الحـيـاةِ جميعها
في الموت لو ندري فهل نستعبرُ؟!
نأتي الى الـدُنـيـا وليس أمامنـا
إلاَّ الرحيـلُ قُـدومَـنا يستـنظـرُ
كـلُّ الخليقـة في رحـيـلٍ دائـمٍ
ما دام تجـديـدُ الحيـاةِ يُـكـَـرَّر
فإذا انتهى زمنُ الرحيلِ تيبستْ
في الناسِ أوردةُ الحياةِ وبُعثروا
سرُّ الحياةِ لكي تظـلَّ خصيـبة
في الموتِ يكمنُ واللبيبُ يُفَسِّرُ
فاذا الحيـاةُ تمـيَّـزَت بنضـارةٍ
فالموتُ يسمو بالنضارِ ويعطرُ
وإذا الحيـاة تـشـوّهت بقـبـيحـة
فالمـوتُ في قُـبـحِ الحيـاةِ مُـدمِّـرُ
ولـذا الحيـاةُ نضارُها بسُمّـونـا
وبه المنونُ الى التسامي معـبـرُ
سيان نُبحـرُ في السموِّ بموتـنا
او نعـتـلي قِـممَ الحياةِ ونُـبحـرُ
فلقدعشقنا الموتَ في طلبِ العُلى
وعلى العُـلى تقِـفُ الحياةُ وتُـنذَرُ
أرقى الرقيِّ بأن نُجَمّـِل عُمـرَنا
فَـنُجَـمِّل المـوتَ الذي به نكـبـرُ
لا تحزنوا إن جاءَ يومُ رحيلكم
لولا الرحيل لما استفاقَ مكابـرُ
فالموتُ يقظةُ كلِّ من عَبَدَ الهُدى
والمـوتُ فَـوزٌ للبصيـرِ وأكـثـرُ
فَـبِـنا الجدودُ الغابرونَ تجددوا
وبِـمَـنْ يجيءُ بإثـرنا نتطـورُ
نهـرُ الحيـاةِ تَـفَجُّـرٌ مُتـدفِّـقٌ
أبـداً يُبرعمُ في الأثيرِ ويزهرُ
ويظلُّ مندفعاً ليحتضنَ المدى
ما شـاءَ ربُّ العالمينَ الأكبرُ
أمـواجُه الناسُ الذينَ تـدافعـوا
وعلى المسيرةِ للنهايةِ أجبروا
بعضٌ يعيشُ وفي المعيشةِ موتُه
والبعـضُ ماتَ وما يـزالُ يُـؤَثِّـرُ
خيرُ الخليقةِ من يسيرُعلى الهُدى
ويَظَـلُّ في فلك الهُـدى يَـتَعَـبـقَـرُ
لا يَرهبُ الاهوالَ أو يخشى الردى
غـيـر الحيـاةِ وعِـزَّهـا لا يُـؤثِــرُ
فالعُـمـرُ يُـثـمِـرُ بالمودةِ والعـطـا
وبغيـرِ حُـبٍّ لا يجـودُ ويُـثـمِـرُ
فاذا انتهت روحُ المودةِ ينـتهي
معـنى الحياة وكُـلُّ حَيٍّ يَـفـتُـرُ
والحيُّ مُجتمعٌ تَـمرّس بالهُدى
وعلى العطاءِ وكلِّ ما يستنفـرُ
ليدوم مجتمعُ الفضيلةِ زاخـراً
بالحُبّ في فلك التسامي يُبحِـرُ
سر الزهور بعطرها وأريجها
وبغير عطرٍ لا تـدومُ وتُـذكَـرُ
فاستلهمي يا نفسُ آياتِ السمـوِّ
فليسَ في غير التسامي مَعـبَـرُ
فالموتُ في طَلَبِ التسامي عزّةٌ
مثـل الحـيـاةِ بِـعِـزِّهـا نـتَحَـرَّرُ
والموتُ في طلب السفولِ مذلةٌ
كالعيشِ في ظلِّ المهانةِ مطمـرُ
فلنختر الموتَ الجميلَ فليس في
الموتِ الجميلِ سوى الحياةِ تُطَوَّرُ
سـيّـان للأخيـارِ أن يحـيـوا وإن
ماتوا ففي الحالين ذكـرٌ عاطِـرُ
نَهـرُ الحيـاةِ تَـدَفُّـقٌ مـتـواصلٌ
إنْ جَـفَّ بنـيـانُ الحيـاة يُـدَمَّـرُ
يا أيها الإنسانُ فـرداً كُـنْ كـما
روح الحقيقة في الجماعةِ تَعمرُ
فالفـردُ في نهـرِ الجماعة عامرٌ
والفـردُ من دون الجماعـة عابرُ
نهـرُ الحياةِ على الـدوامِ تَـدافُـعٌ
أبـداً الى مـا لا يُـطـالُ مسـافـرُ
سـرُّ الحـيـاةِ بفـجـرها ومسائهـا
وبـلـيـلهـا ونهــارهــا يَـتَـسَـتَّـرُ
لن يعرفَ اللغزَ العميق سوى الألى
بسلامـةِ العـقـلِ المُحِبِّ تَـبَـصَّـروا
لا تحـزنـنَّ على الـرحيـل فإن في
سـرِّ الرحيـل مِنَ الشـرودِ تَحَـرُّرُ
لا تخشـينّ من الـرحيـلِ اذا أتى
بالعّـز شـعـبُـكَ حاضـرٌ ومُعـمّـرُ
الموتُ في الشعب الجبان مُقهقرُ
والموتُ في الشعبِ العزيزِ مُـثَـوّرُ
فالعـيـش بالـذلِّ الفـنـاء القـاهـر ُ
والعـيـشِ بالعِـزّ البـقـاءُ الأجـدرُ